جوزيف السلفاني - خلاصة لحالة "لبنان الكبير" المحيّرة

ميزة الانسان العقل. ميزة العقل التفكير. أهمّ أداة التفكير هي التحليل.

أفكّر بقيامة لبنان الكبير سنة ١٩٢٠ على يد البطريركيّة المارونيّة وحماس مسيحي ماروني وعدم رضى إسلامي سنّي وشيعي ودرزي وبنوع من شعور الغلبة.

أفكّر ببلد نشيده الوطني دعوة غريبة و دائمة للوطن (كلّنا للوطن…) ما يخفي أنّ قسمًا من مواطنيه لم أو لن يكونوا له.

أفكّر بمؤتمرات الساحل الاسلاميّة الرافضة لدولة لبنان الكبير.

أفكّر بثورة ١٩٥٨ و٦ أشهر حرب بين المسلمين المؤيّدين للناصريّة والوحدة العربيّة و بين المسيحيّين الخائفين على دولة لبنان المستقلّة حديثًا. أفكّر بالارواح التي زُهقت و الدمار و وقف عجلة التقدّم لسنين.

أفكّر بالعمليّات الفدائيّة المنطلقة من جنوب لبنان باتّجاه إسرائيل ودعمها من قبل أغلب المسلمين اللبنانيّين ومعارضتها من قبل أغلب المسيحيّين.

أفكّر باتّفاق القاهرة سنة ١٩٦٩ الذي شرّع العمل المسلّح في لبنان بضغط إسلامي لبناني وعربي وخيبة مسيحيّي لبنان.

أفكّر بالعمليّات الفدائيّة المتكرّرة من جنوب لبنان و بعسكرة جميع المخيّمات الفلسطينيّة بفرح معظم مسلمي لبنان وسخط معظم مسيحيّيه.

أفكّر بحرب ١٣ نيسان ١٩٧٥ و دعم أغلب مسلمي لبنان للمسلّحين الفلسطينيّين بوجه الجيش اللبناني وبوجه شركائهم المسيحيّين.

أفكّر ب ١٥ سنة حرب و مئة ألف ضحيّة و مئات ألوف الجرحى و المفقودين.

أفكّر بحزن ملايين اللبنانيّين على أهلهم وأقربائهم وأصدقائهم من ضحايا الحرب.

أفكّر بالدمار و كلفته و وقف عجلة التطوّر و بالفرص المفقودة على اللبنانيّين من ازدهار ورخاء.

أفكّر بفرض تطبيق استنسابي لاتّفاق الطائف منذ ١٩٩٠ لغاية ٢٠٠٥ على حساب المسيحيّين و رضى معظم المسلمين.

أفكّر بثورة ١٤ آذار و انقسام جديد بين اللبنانيّين بين شيعة من جهة و بين الآخرين من جهة أخرى.

أفكّر بالاغتيالات منذ ١٩٧٥ إلى أمس القريب.

أفكّر باجتياح بيروت و الجبل في ٧ ايار ٢٠٠٨.

أفكّر بميليشيا مسلّحة موجودة بموازاة كافّة أجهزة الدولة، لا مثيل لها بأيّ دولة في العالم، والمطلوب الموافقة عليها و اعتبارها جزءًا من دولة لبنان.

أفكّر بانهيار اقتصادي غير مسبوق بالعالم و سرقة الدولة أموال المودعين اللبنانيّين والاجانب في البنوك اللبنانيّة تحت مسمّى إقراض مصرف لبنان للدولة ودين ١٠٠ مليار دولار على الدولة مع صرف ١٠٠ مليار من ايداعات البنوك.

أفكّر بأكبر تفجير غير نووي لمرفأ بيروت و قسم كبير من بيروت وقتل ٢٢٠ ضحيّة وآلاف الجرحى والدمار وكلفته والفرص المفقودة، دون أيّ متّهم خلف القضبان وتعطيل تامّ لأيّ مسار قضائي بعد تهديدات علنيّة وحتّى التسبّب بمظاهرة مسلّحة و تهديد السلم الأهلي من قبل "حزب الله" دون أيّ محاسبة.

أفكّر بتعطيل الانتخابات كافّة: الرئاسيّة والنيابيّة والبلديّة وتعطيل تأليف الحكومات وما تنتجه من خسائر وتخلّف لمؤسّسات الدولة وفقدان للفرص والتطوّر.

ثمّ أحلّل كلّ الذي سبق وأرى الخلاصة المنطقيّة: إنّ مكوّنات لبنان الطوائفيّة قد اختبرت لأكثر من مئة عام التعايش المجتمعي والمؤسّساتي لدولة لبنان إلى أن وصلنا إلى نتيجة مأساويّة بانهيار لبنان بسبب عدم نجاح قيام دولة فعليّة فاعلة على مرّ السنوات المئة.

من العدل و المنطق السليم القول إنّ اللبنانيّين قد جرّبوا فعلًا التعايش لأكثر من مئة عام حتّى على حساب أرواحهم وأحبابهم وأصدقائهم و جنى عمرهم. للأسف لم تنجح التجربة وكانت فاشلة وسببًا لمآسي كثيرة وفشلت الدولة على كافّة المستويات. علينا الاعتراف أنّها تجربة طويلة حافلة بالمآسي على مدى ١٠٠ عام قلّ نظيرها بالعالم، و لم يعُد من اتّساع لأيّ تجربة أخرى.

لماذا بعد ١٠٠ سنة اختبار علينا أن نعاود عيش نفس التجربة الفاشلة؟

لماذا لا نفكّر بتركيبة أخرى للدولة اللبنانيّة بعيدة كلّ البعد عن التركيبة المتّبعة منذ ١٩٢٠ إلى الآن؟

لماذا لا يكون ازدهار و تطوّر و رفاهية اللبنانيّين الهمّ الأوّل والهدف النهائي لأيّ تركيبة جديدة للبنان الجديد.

إذا لم تستطع الأحزاب والقوى الفاعلة الاتّفاق على أجوبة للأسئلة الثلاث الآنفة ذكرها، الأفضل أن نجري استفتاءً برعاية الامم المتّحدة لكلّ مجموعة طائفيّة على هذه الأسئلة بخطوط رئيسيّة:

1. الحياد عن الصراعات الاقليميّة والدوليّة

2. سلاح واحد بيد الدولة

3. سيادة كاملة غير منقوصة للدولة على كامل الاراضي اللبنانيّة

بما أنّ هدف قيامة الدول هو صون أمن واستقرار اجتماعي وتعزيز الثقافة والرفاهية للانسان الذي يعتبر نفسه منتميًا لبقعة جغرافيّة معيّنة، وكون هذه النقاط من مسلّمات أيّ دولة، وبناءً على خيارات الطوائف منها، يتمّ اعتماد نوع من الكونفدراليّة أو الفدراليّة للنظام الجديد.