تستطيع جيوش الممانعة الالكترونيّة أن توزّع حقدها ما أرادات على مواقع التواصل، مصحوبا بالكذب الصفيق، وهذا المزيج الخاصّ من الشعور القديم بالدونيّة، والمستجدّ بالفوقيّة، الذي يميّزها. ما لا تستطيع الممانعة أن تفعل، بالمقابل، هو تغيير وقائع ثابتة يعلمها الجميع، ومنها:
1) أهل شويّا لم يعتدوا على أحد، بل اعتدي عليهم بأرضهم؛ الأمر عينه صحيح بالنسبة لأهل خلدة، وعين الرمّانة، والآن الكحّالة. لا أحد يخرج من منطقته ليتحدّى "المقاومة" بمناطقها؛ العكس صحيح، وبكلّ مرّة. "المقاومة" تاليا هي الاسم الحركي للسلبطة على الناس، والزعرنة عليهم بعقر دارهم، لا أكثر.
2) الشهيد فادي بجّاني لم يكن قوّاتيّا من أنصار الدكتور سمير جعجع. المسؤولون الذين هالهم الاعتداء على أهل الكحّالة ووقفوا الى جانبهم ليسوا كلّهم من القوّات اللبنانيّة. استطرادا: غير صحيح أنّ المواجهة بين السلاح، من جهة، والقوّات وحدها من جهة أخرى، كما تعمد ماكينة الممانعة للترويج. بالحقيقة، غير صحيح حتّى أنّ المواجهة هي بين السلاح من جهة، والمكوّن المسيحي وحده، من جهة ثانية. الرفض للسلاح يتخطّى المجتمع المسيحي، وان كان المسيحيّون الـأكثر وضوحا وشجاعة بالتعبير عنه.
3) استسهال اتّهام المسيحيّين بأنّهم "عملاء اسرائيل"، و"يهود الداخل"، وسائر العبارات المقزّزة التي طفت بسرعة وبالآلاف منذ البارحة على مواقع التواصل الممانعة اعادة تأكيد أنّ مسألة مقارعة اسرائيل موظفّة بخدمة الهدف الحقيقي للسلاح الطائفي الممانع، عنيت الهيمنة على البلد، وتدجين مكوّناته. وان كان من فكرة تربط آلاف تعليقات الاستفراغ الطائفي الممانع على مواقع التواصل منذ البارحة فهي هذه: على المسيحيّين أن يقبلوا بسلاحنا، أو يهاجروا. التحدّي واضح، والردّ المسيحي عليه أوضح: فشرتم.
بالمقابل، هناك وقائع أخرى ثابتة بدورها لم يعد منطق 14 آذار قادرا على اخفائها، أهمّها أنّ التأييد الشيعي للحزب عارم وثابت. من مأساة الى مأساة، ومن جرح يقضي على ما تبقّى من عافية بلبنان الى جرح آخر، الشيعة ثابتون بولائهم للثنائي الناطق باسمهم، بدءا بالحزب الخميني. التلطّي خلف صوت شيعي معارض من هنا، أو شعار "الاحتلال الايراني" من هناك، هروب من المسألة الأساس المكوّنة للاستعصاء اللبناني الحالي، عنيت التأييد الشعبي الشيعي العارم للحزب، والأزمة العميقة بالعلاقة بين المكوّنات اللبنانيّة الناجمة عنه.
استطرادا، قامت قيامة ما اصطلح على تسميته ب"التغييريّين" يوم أطلّوا على الشأن العام على من أصرّ، رغم رفضه للفساد والمنظومة، على التذكير دوما بأنّ لا اصلاح ممكنا بظلّ السلاح، وبأنّ للمواجهة معه أولويّة على ما عداها. هل يمكن ل"التغييريّين" أن يشرحوا لنا مجدّدا، فيما السلاح والاسقتطاب الطائفي الناجم عنه يضعان لبنان على حافّة الحرب الأهليّة، أي اصلاح سيصلحون، وأي محاربة فساد، بينما يسقط الشهيد تلو الآخر بسبب السلاح الممانع وبحمايته، من جرد بشرّي الى الجنوب، مرورا بالكحّالة؟
أمّا مدرسة "حلف الأقليّات" التي روّجها منذ سنوات من لم يحرّكه مرّة شيئ سوى جشع السلطة بأيّ ثمن أو طريقة، ففضيحتها تامّة. التشويه الذي ألحقته هذه المدرسة بالوعي المسيحي غير مسبوق منذ أيّام أنطون سعادة. المواجهة معها جزء من المواجة الأكبر مع مشروع السلاح الذي استسلمت له.