جوزف السلفاني
لا يختلف اثنان على واقع أنّ نتيجة نشوء لبنان الكبير، بعد ١٠٠ عام من التجربة الصادقة و بأُطر عديدة (انتداب، صيغة ٤٣، الطائف و أخيراً الدوحة)، هي تدمير جميع مقومات الدولة و المجتمع. كما لا ننسى أنّ هذه التجربة تختزل الكثير من التضحيات والحروب والمآسي والموت والدمار ولن نأتي على ذكرها الآن، إنّما نكتفي بذكر واقع الحال.
واقع مقوّمات الدولة بعد مئة عام:
1. تجربة انتهت بافلاس مالية الدولة وبسعر باهظ تجاوز ١٠٠ مليار دولار دين تمّ تمويل القسم الأصغر منها بسندات يورو بوند والقسم الاكبر منها من أموال مودعين أغلبيّتهم الساحقة لبنانيّين وثقوا بتجربة لبنان الكبير.
2. وزارات و مصالح منهارة غير منتجة حيث دوام العمل يوم أو يومين في الاسبوع.
3. فساد مستشري بجميع مفاصل الدولة.
4. غياب أيّ محاسبة نتيجةً للتجربة الفاشلة بذاتها، إذ محاسبة رئيس أو وزير أو مدير عام أو رئيس مصلحة مُرتكب محسوب على طائفة معيّنة تكون غير ممكنة إذ تصبح محاسبة الفرد كأنّها محاسبة للطائفة في الوعي الجماعي لاتباعها مما أدّى الى انهيار مؤسسات الدولة.
5. الاسلاك العسكريّة وصلت إلى مرحلة أنّ استمرارها مرهون بمساعدات اجنبية ما ينافي كل المسلّمات البديهيّة ألا وهي استقلاليّتها عن أيّ تدخّل خارجي.
6. وجود سلاحين و قرارين للسلم و الحرب و تدخّل بحروب الآخرين خارج الحدود ومربّعات أمنيّة خارج سلطة الدولة.
7. مخيّمات فلسطينيّة مسلّحة خارجة عن السيادة و مخيّمات نازحين سوريّين لما يقارب نصف عدد اللبنانيين.
8. واقع قريب لصفر كهرباء و ماء.
9. تدمير مرفأ بيروت و جزء كبير من العاصمة دون أيّ متّهم وراء القضبان و توقّف التحقيق بأكبر تفجير غير نووي في العالم!
واقع مقومات المجتمع:
1. تهديد باقفال مدارس و جامعات بسبب الانهيار الاقتصادي وخطر تفريغ مواردها وكادراتها البشريّة ما أدّى حكماً إلى تراجع المستوى التعليمي و تصنيفه في سوق العمل الخارجي وتأثيره السلبي على مفاضلة اللبنانيّين على غيرهم و تراجع قيمة العروض المهنية.
2. تهديد باقفال المستشفيات التي كانت مقصداً للمحيط، و أيضاً للاسباب الآنفة ذكرها.
3. تسكير ونقل معامل انتاجيّة إلى خارج لبنان بسبب فقدان الاستقرار الامني وعدم توفّر الطاقة بسعرها الطبيعي للمحافظة على إمكانية التنافس.
4. قلق وعدم أمان مجتمعي و الحلم بالهجرة أو المغادرة خصوصاً بعد سرقة مدّخرات اللبنانيّين البنكيّة.
5. لا ثقة مطلقة بالدولة أو ما يمتّ لها بصلة.
6. خطاب طائفي مستعِر و مضطرد.
إذا لم تكن كلّ تلك الوقائع الفاشلة نتيجة خطأ وخطأ كبير بكُبر نتائجه الكارثيّة، فماذا تكون نتيجة الخطأ؟ يكفي أن نلقي نظرة على دول الخليج وأين كانت في خمسينات و ستّينات القرن الماضي وأين كان لبنان وقتها، وأين أصبح لبنان من هذه الدول الآن لنرى فداحة خسارة فرص التقدم والعمران و الرخاء الاقتصادي و الاستقرار المجتمعي الذي كان ممكنًا أن يكون عليه اللبنانيّين لو كانوا مواطنين بإطار آخر كليًّا عن دولة لبنان الكبير.
أتّفق على أنّ فكرة نشوء لبنان الكبير هو مشروع رسالة متقدّم و جريء و جميل للانسانيّة.
وإذ قد فشل المشروع فشلاً ذريعاً وعلى مدى مئة عام، يصبح تغليف التداعيات المئويّة لهذا الخطأ في سبيل استمرار مشروع فاشل انما هو مكابرة او وهم و حتى عمل غير اخلاقي وغير انساني لما سبّبه من جرائم وحروب وموت ودمار على مدى مئة عام وما قد يسبّبه أيضاً في السنين المقبلة.
و يبقى الرجوع عن الخطأ فضيلة.