هشام بو ناصيف - مصر، لبنان، و"القضيّة المركزيّة": مقارنة

ترفض مصر الى الساعة فتح أبوابها، عبر رفح، للجوء الفلسطينيّين الى سيناء، لأسباب تتعلّق بمصلحتها الوطنيّة وأمنها القومي. واحدة من الاعتراضات المصريّة هي هذه: على افتراض تمّ ايواء مليون فلسطيني بسيناء، فستتورّط مصر لاحقا بمشاكل لا تريدها مع اسرائيل، عندما يبدأ فلسطينيّون بشنّ هجمات عابرة للحدود انطلاقا من أراضيها. أمّا وأنّ مصر لا ترى مصلحة لها بهذا السيناريو، فأبوابها موصدة بوجه الفلسطينيّن باستثناء أصحاب الحالات الطبيّة الطارئة. وقد ذكرت صحيفة "الفاينشال تايمز" اليوم أنّ مسؤولا مصريّا كبيرا قال لنظيره الأوروبي انّ مصر سترسل مليون لاجئ فلسطيني الى أوروبا، لو ضغطت دول الغرب على القاهرة لايوائهم بسيناء.

ليست المرّة الأولى التي تضع مصر اعتباراتها الوطنيّة فوق اعتبارات التضامن القومي مع الفلسطينيّين. على سبيل المثال لا الحصر، نعلم من الوثائق الدبلوماسيّة التي باتت متوافرة للبحّاثة أنّ موفدي الرئيس الأميركي الراحل دونالد ريغن الى المنطقة حاولوا اقناع النظام المصري عام 1982 بايواء جزء من مقاتلي منظّمة التحرير الفلسطينيّة المحاصرين ببيروت آنذاك. ولكنّ مصر رفضت. بالحقيقة، سبب أساس من أسباب تعقّد مسألة الاجلاء يومها أنّ أحدا من الدول العربيّة لم يكن يريد الفلسطينيّين، الى أن حلّت تونس المسألة.

استطرادا: عندما بدأ الكفاح الفلسطيني المسلّح في الستيّنات والسبعينات، كانت هجمات الفدائيّين من مصر خاضعة تماما لاعتبارات النظام المصري، بمعنى أنّ أجهزة الأمن كانت تسمح بها عندما تريد، وتوقفها تماما عندما تريد أيضا. كان هذا صحيحا حتّى عندما كان جمال عبد النصر، رمز التيّار القومي العربي، بالحكم؛ وبطبيعة الحال، صار صحيحا أكثر بعد وصول أنور السادات الى السلطة. يومها شاعت بمصر مقولة عن فلسطين أن "أولّها فلس - آخرها طين".

بمقابل تصرّف مصر كدولة، تصرّف لبنان كساحة. بلادنا هي الدولة الوحيدة بالعالم العربي التي كانت سلطاتها ضعيفة بما يكفي للخضوع للابتزاز العابر للحدود زمن عزّ "الكفاح الفلسطيني". لم تتغيّر الأمور اليوم، وان صار من يستخدمنا كأدوات ايرانيّا، بعد أن كان عربيّا.

لماذا الدولة اللبنانيّة ضعيفة دوما؟ الجواب انّ هويّتنا الوطنيّة -بخلاف الهويّة المصريّة- ضعيفة بدورها. استطرادا، الصراع الطائفي عندنا لا يمكن حسمه عبر القوّة الذاتيّة لأي طائفة لبنانيّة. كي تستتب الريادة لمكوّن من المكوّنات، لا بدّ من تعديل موازين القوى بين الطوائف عبر استدراج المعطى الخارجي، العربي بالسابق، والايراني اليوم، الى الداخل اللبناني. وبمجرّد أن يصبح الخارج شقيقا أكبر وصيّا على أمورنا، تنعدم احتمالات تحوّلنا الى دولة، ويتأبّد دورنا كساحة تصريف صراعات النفوذ الاقليميّة.

كلّ هذا سيّىء، بطبيعة الحال. الأسوأ منه هو الايديولوجيا اللبنانويّة السخيفة التي حاولت وتحاول منذ عقود تصوير مأزقنا البنيوي على انّه "رسالة"، و"نموذج"، وسائر الترهات المعروفة.

الحلّ - على افتراض وجوده، وهي مسألة فيها نظر - يبدأ بتسمية الأمور بأسمائها. هذا كلّ ما تحاول الحركة الفدراليّة فعله منذ انطلقت. حسبها، مهما صار لاحقا، انّ التدليس ليس من قيمها.