عندما انطلقت الحركة الفدراليّة قبل سنتين بلبنان، كان النائب مارك ضوّ من منتقديها باعتبار انّه ضدّ "الطروحات الطائفيّة"، ومع العلمنة. هذا لم يمنع النائب ضوّ بعد لقائه شيخ عقل الدروز سامي أبو المنى البارحة من التشديد على مسؤوليته كنائب "تجاه المواطنين اللبنانيين جميعًا والموحّدين خصوصًا في حسن تمثيلهم وحفظ عيشهم الكريم وقيمهم المعروفية". وبعد أن قدّم ضوّ توبته عن دعمه اقتراح تعديل قانون المادّة 534 من قانون العقوبات اللبناني (الذي ينصّ على أنّ كلّ مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس سنة واحدة)، أعلن سحب الاقتراح من التداول. وأضاف ضوّ انّه تمنّى أن "تتمّ متابعة الأمور وتنسيق المواقف خدمة لدعم صمود الموحدين في لبنان بوجه كل التحديات الاقتصاديّة والأمنيّة"، مضيفا انّه أطلع شيخ العقل على مواقفه من "الملفّات الأساسية التي تعني الموحدين في لبنان وسوريا وفلسطين، وأهمية التضامن مع أهل السويداء."
ماذا يعني ما سبق؟ يعني ببساطة أنّ قيام ناشطين مسيحيّين بطرح الاتّحاديّة كحلّ لادارة التنوّع بلبنان – على غرار كلّ البلدان المتنوّعة المستقرّة بالعالم – مرفوض لأنّه طرح "طائفي" بحسب النائب ضوّ الذي يريد كعلماني تحرير اللبنانيّين من الانتماءات الطائفيّة. أمّا أن يؤكّد ضوّ نفسه على مسؤوليّته الخاصّة كنائب درزي تجاه المواطنين اللبنانيّين الدروز، فهذه ليست "طائفيّة". وأن يفيض انتماء ضوّ الدرزي عن الحدود اللبنانيّة ليشمل دروز سوريا وفلسطين ليس "طائفيّة" أيضا، بطبيعة الحال. بمعنى آخر: تجاه الفدراليّين المسيحيّين، مارك ضوّ "علماني". ولكن مع مرجعيّته الدينيّة هو درزي صميم. وحدهم السذّج ستصدمهم ازدواجيّة ضوّ. الفدراليّون الذين فهموه جيّدا من اللحظة الأولى، يتابعون مواقفه، ويبتسمون.
وعلى سيرة السذّج، تطلق النائبة الكبرى من الدامور، نجاة صليبا، موقفا مؤيّدا للفلسطينيّين تلو الآخر عبر تويتر. واضح أنّ القلب الواسع للسيّدة صليبا لا يتوقّف كثيرا عند تاريخ مدينتها مع أصحاب "القضيّة المركزيّة". لا بأس. ولكنّ الحماسة القوميّة للنائبة المذكورة لا تتيح لها حتّى التذكير، في غضمّ مواقفها الحاسمة من فلسطين و"العدّو الصهيوني"، بأنّ فلسطين كانت تاريخيّا الاسم الحركي لجرّ لبنان الى مغامرات دمرّته مرّة بعد مرّة، وأنّ تكرار أخذ بلادنا رهينة فلسطين، والمحور الاقليمي الذي يتاجر بالمسألة، مرفوض. صليبا لم تعترض حتّى على اطلاق حماس صواريخها من الجنوب اللبناني. لنقل أنّ النائبة المارونيّة من الشوف هي، في المسألة "القوميّة"، على يسار البعث والناصريّين. ماذا لو أنّ الموارنة عن بكرة أبيهم ليسوا هناك؟ لا مشكلة باعتبار أنّ السيّدة صليبا "ليست طائفيّة".
وعلى سيرة الناصريّين. تكاد تكون استعادة النائبة العظمى حليمة القعقور لشعار عبد الناصر "ما أخذ بالقوّة لا يستردّ بغير القوّة" حرفيّة عندنا صرّحت بأنّها لا تؤمن بغير الصراع والمعارك لحلّ قضيّة فلسطين. لم تبد القعقور مرّة متقّدة بقدر ما بدت بتصريحها الأخير عن فلسطين، وهي صادقة به. فلسطين فعلا تحرّكها. أمّا حياد لبنان فلا يعنيها، ولو أنّ بلادنا باتت ركاما على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. ومع أنّ القعقور "طوشتنا" منذ سنتين برفضها "الطائفيّة"، يبدو لي أنّها، بوعيها المنحاز تماما لفلسطين، والرافض تاليا للحياد – وهو أبسط بديهيّات المصلحة اللبنانيّة – سنيّة جدّا. وان كان صحيحا ما يقوله البعض انّ الشهيد رفيق الحريري صالح السنّة مع لبنان، فحليمة القعقور هي انقلاب تامّ على ارث الحريري، بمعنى انّها تمثّل خيار عودة السنّة الى خطاب "منظمّة التحرير هي جيش المسلمين". القعقور، ايديولوجيّا، ناصريّة. ومن لا يفهم مدى طائفيّة ناصريّي المشرق، لا يفهم شيئا.
لماذا انحزت منذ اليوم الأوّل ضدّ النوّاب "التغييريّين"؟ لأننّي تابعت مواقفهم بدقّة. مسلموهم طائفيّون بامتياز. وكأي طائفي يحترم نفسه بهذه البلاد، يكثرون من استعمال رطانة "العلمنة" و"الغاء الطائفيّة" و"فلسطين" لتغليف النوايا الحقيقيّة بعكسها. مسيحيّوهم، بالمقابل، ذميّون. كان حراك اللبنانيّين في 17 تشرين يستحقّ أفضل من هؤلاء وأولئك.
ملاحظة أخيرة من خارج السياق، ولأسباب مبدئيّة: المثليّة ليست مرضا. بأي مجتمع بالعالم، بأي وقت، هناك غالبيّة تنجذب للجنس الآخر، وأقليّة مثليّة. هذا ما تنتجه الطبيعة، وهو تاليا ... طبيعي. المادّة 534 متخلّفة، والغاؤها ضروري. رجعيّة المؤسّسة الدينيّة عندنا – بشقيّها المسيحي والمسلم – وجبن "التغييريّين" لا يغيّران بالأمر شيئا.
مواضيع ذات صلة