نضال الحاج - تحيّة لنساء ايران

انتشرت خلال الأيّام الأخيرة حملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي بايران تهدف إلى قمع نساء المعارضة الإيرانيّة المقيمات خارج بلادهنّ، ترافقت مع نشر معلومات عن أفراد عائلاتهنّ الذين لا يزالون يقيمون في إيران، سعياً لترهيبهنّ نظراً للدور اللافت الذي تقوم به المعارضة الإيرانية في وجه بروباغندا الجمهوريّة الإسلاميّة في العالم أجمع، وفي الغرب تحديداً. ومع ذلك، لا يبدو أنّ مأساة الايرانيّين القابعين تحت حكم الملالي تثير التعاطف، أو أقلّه التفهّم، الذي تستحقّه بالرأي العام العالمي.

والحال أنّ المعارضة الايرانيّة الشجاعة تستحقّ الاحترام. كان ملفتا مؤخّرا قراءة المعارضة الايرانيّة لأحداث غزّة. استنكرت المعارضة الإيرانيّة - التي تلعب الناشطات دورا محوريّا فيها - منذ اليوم الأوّل الجرائم البشعة التي قامت بها "حماس" رافضةً التهليل لها، على عكس الكثير ممّن يدّعون معارضة محور الممانعة في منطقتنا، وأيضا بعكس قوى يساريّة مختلفة بالعالم قبلت خرافة أنّ الحركة الفلسطينيّة الأصوليّة "مقاومة".

ربّما ليس ذلك مفاجئا. الناشطات الايرانيّات يعرفن تماماً ما هو الإسلام السياسي، وكوارثه على المجتمعات التي يحكمها، والجحيم الّتي تعيشه المرأة في ظلّه، وهنّ اللواتي قُتلن على الطرقات وتمّ التنكيل بهنّ، لمجرّد أنّهنّ لم يضعن الحجاب بالطريقة المفروضة. فكيف للإيرانيّات أن ينسين على سبيل المثال لا الحصر الفتاوى التي أفتت باغتصاب الفتيات قبل إعدامهنّ إذا كنّ عذارى لحرمانهنّ من "دخول الجنّة". وما أوضع الحملات الّتي تساق بحقّهنّ حاليًّا وتتّهمهنّ بـ"الإسلاموفوبيا".

لذلك، ربّما، لم تخضع النساء الإيرانيات لمبدأ "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، الذي يسعى لحصر القضايا النبيلة بالمنطقة بفلسطين، وحسب. كما عبرنّ عن رفضهنّ لاستمرار ضياع خيرات بلادهنّ على تمويل الجماعات الإرهابيّة في الشرق الأوسط فيما يعاني الشعب الإيراني من فقر مدقع سببه سياسة "تصدير الثورة".

وعلى عكس الخطاب السائد في المنطقة، لم تستسلم الإيرانيّات لمصطلحات كـ"الرجل الأبيض" و"إنهاء الاستعمار" و"معاداة الغرب"، ولم تنفضن الغبار عن أفكار فانون وسارتر وبوفوار وإدوار سعيد، رفضاً للسلام وبحثاً عن حلّ لمشاكلهنّ يرمي مسؤوليّاته على الآخر. بل جدّدن تشبّثهنّ بمبدأ السلام، ونسج علاقات جيّدة مع الغرب، وهنّ اللواتي يسعين للاندماج بمجتمعاته ويحاولن أن يكنّ قيمة مضافة له، مؤكّدات في الوقت عينه التزامهنّ بالنضال رغم الترهيب للتخلّص من حكم الملالي.

مقابل هذه الشجاعة، نقع على ناشطين وناشطات بلبنان والعالم العربي يبدو أنّ عقولهم تتوقّف تماما عندما يسمعون كلمة "فلسطين". أسوأ هؤلاء على الاطلاق هم من ينحدرون من خلفيّات يساريّة ممانعة، يزايدون على الخمينيّين بتبنّي نظريّة الحرب الى الأبد مع اسرائيل. ومشكلتهم الوحيدة أنّهم يريدون للمعركة مع "العدوّ الصهويني" أن تنطلق من خلفيّات عالمثالثيّة، لا اسلامويّة، في حين أنّ منطق الحرب الى الأبد هو جوهر المشكلة، سواء كانت تبريراته علمانويّة، أو اسلاميّة، أو أيّ شيء آخر.

فلا أعرف ما إذا كان يجب الاعتذار من الشجاعات الإيرانيّات، اللواتي اخترن أن يكنّ قدوة في الموقف الحرّ، لوضعهنّ في مقارنة مع من قرّر تملّق الحزب الإسلامي المسيطر على بلده، للحصول على قبول من بيئته.

لكن المؤكد أنّ من يريد مصلحة بلاده وازدهارها عليه التطلّع إلى شجاعة الإيرانيّات المعارضات، لأنّ من يتمثّل بجماعة الممانعين العلمانيّين/اليسارويّين، لن يستطيع إخراج بلاده من نزاعات المنطقة وكوارثها.