هشام بو ناصيف - يتامى "جمّول" ليسوا حلفاء


قبل أن تفرض السياسة السوريّة–الايرانيّة حزب اللّه كقوّة وحيدة على الساحة العسكريّة بالجنوب، لعبت منظّمات يسارويّة مختلفة دورا محوريّا ب"المقاومة" هناك. مشكلة يتامى هذه القوى وبقاياها في الساحتين السياسيّة والاعلاميّة اليوم ليس منطق "المقاومة" بذاته، بل أنّ الحزب الخميني خطفها منهم. هؤلاء ليسوا حلفاء، ومحال أن يصيروا كذلك يوما.

ما هو بروفايل يتيم "جبهة المقاومة الوطنيّة اللبنانيّة" المعروفة ب "جمّول"؟

هو أوّلا شخص مهجوس بالقضيّة الفلسطينيّة، وقد دخل بروعه أن لا قضيّة عادلة بالمنطقة سواها. مقاربته (أو مقاربتها) للصراع مع اسرائيل يصل الى نفس خلاصة الاسلامويّين لجهة استحالة التعايش مع "الكيان العنصري" الذي لا يفهم غير لغة "المقاومة". الفارق أنّ الاسلامويّين يفهمون المسألة من منطلق ديني، بينما يفسّر يتامى "جمّول" الصراع من منطلق غير ديني. المسافة بين التفسيرين أكيدة. ولكنّ يتامى "جمّول" يبقون بالنتيجة أقرب الى الحزب الخميني منه الى القائلين بأولويّة المصلحة اللبنانيّة على أي قضيّة أجنبيّة، بما في ذلك قضيّة الفلسطينيّين. باختصار، يتامى "جمّول" ممانعة أيضا. وعند كلّ محطّة مفصليّة، يتبارون مع الخميّنيّين لاظهار أنّهم أكثر عداء ل"الكيان" منهم.

ثانيا، يتيم "جمّول" هو شخص عاجز عن النقد الذاتي، أو غير راغب به. لم تكن الجمهوريّة اللبنانيّة الأولى تجربة خالية من المشاكل، بطبيعة الحال، ولكنّها كانت جوهرة بالمنطقة، كان ينبغي الحفاظ عليها وتطويرها، لا تفجير أسسها عبر الحرب الأهليّة. لعبت مدرسة يتامى "جمّول" دورا مركزيّا بتدمير لبنان في السبعينات والثمانينات، ولكنّ بقاياها بالاعلام مصرّة الى الآن على مسلّماتها. فكّر باتفاقيّة 17 أيّار مثلا. سقوطها سمح لحافظ الأسد بالاطباق على لبنان، ما مهّد لكلّ مصائبنا اللاحقة. ولكن هيهات أن ترى يتيم "جمّول" يسأل نفسه ما اذا كان دورها باسقاط 17 أيّار مدعاة للفخر، أو للعار الشديد. بالعكس تماما: عندما يتطرّق يتيم "جموّل" الى دور قوى كالشيوعي، أو القومي، بالحرب اللبنانيّة، هو (أو هي) مصرّ الى الساعة أنّها قوى "مقاومة" من الضروري جدّا أن يفاخر اللبنانيّون بها.

ثالثا، "يتامى جمّول" معدومو الحساسيّة تماما تجاه أبسط بديهيّات حقوق الانسان عندما يتعلّق الأمر بالاسرائيليّين، ولو مدنيّين، أو أطفال، أو نساء، أو عجائز. لم يخجل نجومهم من التعبير عن فرحهم علنا على مواقع التواصل الاجتماعي بعد هجمات 7 اكتوبر الارهابيّة التي ذبح فيها أطفال بعمر الورود، فيما سيق أطفال آخرون كرهائن وعاشوا، أو يعيشون الى الساعة، بأنفاق تحت الأرض، مع خاطفيهم. لاحظ، بالمقابل، أنّ القائلين بأولويّة المصلحة اللبنانيّة على القضيّة الفلسطينيّة لا يشعرون بالفرح عند قتل المدنيّين الفلسطينيّين، بل يأسفون له بأحاديثهم الخاصّة، والعامّة. هذا الشعور بالأسى لمقتل بريء طبيعي، وضروري، ولعلّه ما يميّزنا كبشر عن وحوش الغاب. باستثناء أنّ يتامى "جمّول" عاجزون عنه، ربّما لأنّهم يفهمون قتل المدنيّين كشكل من أشكال محاربة الاستعمار.(Decolonization)

رابعا، حساسيّة يتامى "جمّول" تجاه مأزق المسيحيّين اللبنانيّين معدومة بدورها. المسيحيّون اللبنانيّون طبقة وسطى تنشد الترقّي الاجتماعي من خلال العلم، والعمل. شرط هذا الترقّي الاقتصاد المعافى. وشرط الاقتصاد المعافى هو السلام. باستثناء، طبعا، أن ليتامى "جمّول" قضايا مركزيّة دائما أهمّ من استقرار لبنان، والسلام فيه. وان كان ثمن النضال العالمثالثي تحويل لبنان الى بؤرة راديكاليّة طاردة لآخر المسيحيّين فيه، فيلرحلوا كلّهم. يرفد هذا البعد "العقائدي" بعد طائفي مضمر: أن يكون يتامى "جمّول" علمانيّين بطريقة عيشهم لا يلغي كراهية عميقة تجاه بيئة أخرى لم تكن الرطانة اليسارويّة يوما غير تعبير ركيك عن الحقد عليها باعتبارها "الطائفة-الطبقة".

خامسا، ينزلق يتامى "جمّول" بسرعة الى تقريع الغرب الذي يخون قيمه الليبراليّة بالضرورة بكلّ مرّة لا تتوافق سياساته مع تهويماتهم. هنا أيضا، التقاطع مع الخمينيّين واضح: الاسلامويّون يكرهون الغرب على خلفيّة وعيهم الديني للسياسة الدوليّة؛ يتامى "جمّول" يسارعون الى تقريع الغرب على خلفيّة رواسب الأفكار العالمثالثيّة، وتراث الحرب الباردة. ومن يفكّر بأعداء الغرب بالقرن الأخير، يقع على قوى مثل روسيا ستالين؛ أو ألمانيا هتلر؛ أو ايران الخميني؛ أو داعش، والنصرة، وما شاكل. هذه القوى مختلفة كثيرا ايديولوجيّا، بطبيعة الحال، ولكنّها كلّها انتي-لبيراليّة. وهكذا هم يتامى "جمّول" وبقاياها.

صحيح أنّ "حلف الأقليّات" أكبر خرافة بتاريخ لبنان، وأنّ القائلين بها من مسيحيّي 8 آذار أسوأ مسيحيّيه. ولكن هذا لا يعني أنّ مسيحيّي 14 آذار لم يرتبكوا أخطاء بدورهم. واحدة منها هي الترحيب بيتامى "جموّل" لأنّهم "شيعة، وضدّ حزب اللّه". أكرّر: هؤلاء ضدّ الحزب لا اعتراضا على مبدأ دوره، ولكن لأنّه خطف منهم دورا أرادوه لأنفسهم. استطرادا: يتامى "جمّول" ليسوا حلفاء؛ تماما، بالمناسبة، كما أنّ "داعش" ليست حليفة، مع انّها، بدورها، "ضدّ الحزب".