هشام بو ناصيف - موقعة التمديد: التكتيك ليس بديلا عن الاستراتيجيا

بين التمديد للجنرال جوزف عون، وابقاء الجيش بدون قائد بهذا الظرف الصعب، أفهم منطق التمديد. وبين وصول سليمان فرنجيّة لرئاسة الجمهوريّة، ووصول آخر أقلّ انحيازا للمحور الممانع، أنحاز للسيناريو الثاني. أفهم أن يخوض مسيحيّو 14 آذار معركة الرئاسة، وقيادة الجيش؛ ما لا أفهمه هو التكتيك حتّى آخر الكأس، وكأنّ لا أزمة نظام بلبنان، مع أنّها فاقعة.

للتذكير: لم تكن رئاسة الجمهوريّة شاغرة، ولا قيادة الجيش، يوم كان ميشال سليمان بالأولى، وجان قهوجي بالثانية. كيف حلّ هذا أيّ شيء؟

وبوضوح: قبل أيّ شيء آخر، يحتاج لبنان للحياد. بغيابه، سنبقى اليوم أسرى ايران، كما كنّا البارحة أسرى حافظ الأسد، وياسر عرفات، وجمال عبد الناصر. لا تناقض اطلاقا بين أن تخوض القوى السياسيّة معركة التمديد لقائد الجيش، مع الضعط العلني والصريح من أجل حياد لبنان. حقّنا أن نسأل: لماذا لا تفعل؟

استطرادا: النظام المركزي لا يصلح لادارة العلاقة بين المكوّنات في مجتمع تعدّدي. نظامنا الحالي خطأ مدرسي. نقطة، انتهى. أين المشكلة بالتصدّي لسليمان فرنجيّة، مع تبنّي تصوّر بديل لادارة شؤوننا؟

نسأل لا من باب "الحرتقة" على قوى تواجه بشجاعة آلة قتل لم تتورّع يوما عن استعمال الاغتيالات السياسيّة كمجرّد وسيلة من وسائل العمل السياسي، بل لأنّ الاداء ليس مفهوما دوما. منذ مئة عام جرّبنا النظام اللبناني الحالي. هل من يظنّ فعلا أنّه ناجع؟ ان كان الجواب أن نعم، فليقل مسيحيّو 14 آذار ذلك لنا صراحة، ولنتناقش ما اذا كانت المشكلة وحسب مشكلة فقدان السيادة، أم أنّها مشكلة سيادة مفقودة ونظام معطوب بآن واحد. أمّا ان كان النظام فعلا غير نافع، كما يلمّح مسيحيّو 14 آذار أحيانا علنا، ويقولون بالجلسات المغلقة دوما، فلماذا تأجيل طرح البديل، والى متى؟

قبل سنوات، عندنا هجم رعاع طائفي على عين الرمّانة – حيث يقيم أهلي – تصدّى عناصر الجيش الذي يقوده الجنرال جوزف عون لهم. هذا وحده يكفي كي أحفظ له جميلا طيّبا. يبقى أنّ الستاتيكو الحالي لا يطاق، وأنّ البديل الجذري شديد الوضوح. يبقى خصوصا أنّ المكوّن المسيحي قبل لبنان الكبير على قاعدة أن لا شرق، ولا غرب. انسحب "الغرب" بالأربعينات، لنسقط منذ الخمسينات تحت هيمنة "الشرق"، وما أدراك ما "الشرق"، من عسكريتاريا ناصر، الى ملالي الخامنئي، مرورا بمخرّبي عرفات، وانكشاريّة الأسد. ان كان ثمن "التعايش" أن نبقى الى الأبد ضحايا غزوات البرابرة، فلا كان "التعايش"، ولا كان "لبنان الكبير". مسيحيّو 14 آذار حصن لبنان ضدّ الغوغاء، والانهيار النهائي، والتامّ. مع ذلك، ان كانوا يظنّون أنّ قواعدهم سترضى الى الأبد بالتكتيك بديلا عن الاستراتيجيا، فهم يخطئون الحساب.