هشام بو ناصيف - بخصوص أنّ نصائح ذميّي "الأخبار" مردودة لهم

تعمد جريدة "الأخبار" لنشر مقالات دوريّة يكتبها ذميّون يترزّقون من الترويج للممانعة مفادها دوما أن محورها منتصر لا محالة؛ وأن على المسيحيّين أن "يستيقظوا"، ويهرعوا للتفاهم معه؛ وأن ما سوى ذلك "رهانات" - التعبير المفضّل منذ عقود لوصف الآمال الوطنيّة الطبيعيّة للّبنانيّين من غير زبانية نظام حافظ الأسد سابقا، ونظام الملالي اليوم - بالضرورة خاسرة.

بالحقيقة، المحور الممانع ليس "منتصرا" بالحرب الدائرة حاليّا، وجلّ ما يأمله الافلات من مواجهة عسكريّة يعلم أنّه غير قادر على ربحها. صحيح أنّ سنوات من التخبّط الأميركي الذي بدأ فور وصول باراك أوباما الى البيت الأبيض سهّلت أمور المحور الايراني بالمنطقة. ولكنّ الصحيح أيضا أنّ أوهام احتمالات التسوية مع ايران تراجعت في واشنطن منذ فترة، وتدهورت بالسنتين الأخيرتين بعد موقف ايران من حرب أوكرانيا، وتورّطها بهجمات 7 أكتوبر، والأحداث التي تلتها، عبر أذرعها المختلفة. غير صحيح، تاليا، أنّ الأمر قضي، وأنّ الغرب سلّم بسطوة ايران على المنطقة، ولا حتّى بسيطرتها على لبنان. الصحيح بالمقابل أنّ الصراع لا يزال مستمرّا في المنطقة، كما في لبنان، وأنّ نتائج الصراع لم تحسم بعد، ولن تحسم بالضرورة قريبا. الزعم عكس ذلك حرب نفسيّة وبروباغندا جديرة بكتّاب جريدة تبدو "البرافدا" بالمقارنة معها ضربا من ضروب الموضوعيّة الصحفيّة.

من جهة ثانية، لا، التسوية مع المحور الايراني، والحزب الخميني في لبنان، ليست من مصلحة المسيحيّين، لأنّها لا تعني أكثر من التخلّي عن الدور السياسي المستقلّ لمصلحة تبعيّة ذميّة تستقيل من الشأن العام مقابل "السترة". للتذكير: هذا بالتحديد ما فعله جلّ مسيحيّي سوريا تجاه نظام الأسد منذ عقود. بماذا استفادوا؟ كم منهم لا يزال بسوريا اليوم؟ مصير مسيحيّي لبنان لن يكون أحسن لو قبلوا تسليم الحكم الى من يفهم "السياسة" بصفتها صناعة سيّارة مفخّحة، وكواتم صوت، واغتيالات سياسيّة، وتصنيع كبتاغون، وتهريب على الحدود، وحرب الى الأبد مع اسرائيل، وكراهية للغرب. في ظلّ هذه الايديولوجيا التي تعاكس كلّ ما نشأوا عليه، المسيحيّون لن يبقوا بلبنان لأنّهم، ثقافيّا، جزء من العالم الحرّ، ولأنّ هذه الايديولوجيا نقيضه. تاليا، بخلاف تخرّصات المنظّرين الذميّين في جريدة "الأخبار"، مصلحة المسيحيّين تقتضي بانتزاع مساحة آمنة يحكموها وفق خياراتهم هم، وثقافتهم، وهويّتهم، وكلّها نقيض خيارات، وثقافة، وهويّة، الأصوليّين الخمينيّين. ثم انّ منطق "تحسّسوا رقابكم" الذي يعبّر لا فقط عن أخلاق جريدة "الأخبار"، بل أيضا عن ثقافة البيئة التي تنطق باسمها، لا يثير بين المسيحيّين سوى غثيان مستحقّ تماما. وعلى من يتنطّح لاعطاء النصائح للمسيحيّين اللبنانيّين أن يفهم السيكولوجيا الخاصّة بهم، قبل التنظير عليهم. هم يعلمون أنّهم، بجبل لبنان، بعقر دارهم. وهم، تاليا، غير مستعدّين أن يعلّمهم أحد كيف يعيشون حياتهم ببلاد هي لهم منذ 1600 عاما متواصلة. الذميّة ونسل مارون نقيضان محال أن يتلقيا.

استطرادا: مهما اختبأت جريدة "الأخبار" السوبر-طائفيّة خلف أسماء مسيحيّة تتكسّب من العمالة للمحور ايّاه، تبقى اللعبة مفضوحة. لا يهمّ أن يكون اسم الكاتب "غسّان"، أو "بيار"، أو سائر الذميّين. نجاح واكيم كان بالمقلب الآخر للجبهة اللبنانيّة خلال الحرب، وهو، اسميّا، "مسيحي". كم كان يمثّل بالبيئة المسيحيّة؟ من كان مستعدّا بين المسيحيّين للاستماع له لمجرّد أنّه، تقنيّا، مسيحي؟ الجواب: لا أحد، أو تقريبا. ولا أحد اليوم مغشوش كثيرا بذميّي محور الأصوليّين المسلّحين. هؤلاء أعتى أعداء مجتمعنا، وأخطر على مستقبله ممّا كانه يوما جيش الاحتلال السوري، والمخرّبون الفلسطينيّون، مجتمعين. مقالات سخيفة يكتبها ذميّون لا تغيّر بالأمر شيئا.