إدمون بخّاش - كي لا نعيد تكرار قصة قايين وهابيل

"لبنان أصبح جهنم"، يا أخي، بات من الصعب العيش مع هؤلاء"، "الطائفيّة خرّبت لبنان"، نحن شيء وهم شيء آخر"، "الشيعة أكلوا البلد"، "لم يبقى لنا شيء في هذا البلد"، وغيرها الكثير من الجُمل التي تنعي لنا لبنان ووجوده أرضًا وشعبًا.

تعددت الأسباب الجيدة والسيئة، الواقعيّة والخياليّة، التي توضح لنا استحالة العيش معًا كلبنانيين.

إذا أردنا بناء الجدران، كما كان في برلين أو كما هو حاصل اليوم في فلسطين المحتلّة، فلائحة الأسباب تطول وتطول. واللائحة الأطول بعد، هي التي تبرر الإنغلاق بوجه الآخر وإلغائه ثقافيًّا وحضاريًّا. كلّ هذه الأفكار المُصرّح عنها في اللوائح إنما كاتبُها هو الخوف، إمّا على المصير، أو على الوجود، أو من الآخر، أو من الله، الذي يأمر بعضهم بتطهير الأرض من الكفّار، فوجبت طاعته خوفًا من معصيته. الخوف لا يبني بل المحبة تبني، لذلك علينا أولًا تخطي الخوف.

ان السؤال الحقيقي الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا كلبنانيين، ليس هل نستطيع العيش معًا؟ إنما، هل نريد حقًا أن نعيش معًا؟ والإجابة عن هذا السؤال تُحتّم علينا الإجابة عن ما هو نوع المجتمع الذي نريد حقًا المساهمة جميعًا في بنائه؟ هل هو مجتمع منفتح على العالم أم مجتمع ممانع منغلق مقاوم لكل تغيير؟

من السهل جدًا استعمال كلمات منمقة مثل، مدّ الجسور والحوار والتعاضد وغيرها من الكلمات الجميلة والرومنسيّة، ولكن تبقى الإجابة عن السؤال المحوري هي الأساس، هل نريد حقًا أن نعيش معًا؟ نعم أم لا.

فئة من اللبنانيين يعرّفون عن أنفسهم بالفدراليين اتَوا بطرحٍ يطالبون فيه بتحويل النظام اللبناني من نظام مركزيّ إلى نظام فدراليّ. هَمُّ هذه الجماعة الحفاظ على وحدة لبنان وإزالة الاسباب المحفّزة للصراع والاقتتال بين اللبنانيين، فكان جوابهم على السؤال المحوري بنعم عمليّة بتقديمهم المشروع الفدرالي- الحيادي للبنان الكبير.

إلّا أن البعض عمدا أو سهوا، عن معرفة أو عن جهل، بالقول أو بالفعل، راحوا يهاجمون الطرح الفدرالي متّهمين ايّاه زورًا بالتقسيم والانعزاليّة وغيرها من الأوصاف التهويليّة. لعمري أن هؤلاء جوابهم على السؤال المحوري هو لا. لا نريد العيش معًا. نريد أن نُبقي الحال على ما هو عليه. واذا سألناهم عن سبب رفضهم للفدراليّة، تعددت الأجوبة الواهية، واللا واحدة لا تتغيّر.

لم يبق لنا حلّ أو مشروع جدّي نقدمه للعالم سوى الفدراليّة، في وقت تعصف فيه رياح التغيير والتحويل بمنطقتنا، للحفاظ على لبنان كبلد قائم على الخريطة. الفدراليّة هي النَعَم الفعليّة لمن يريدون العيش معًا في لبنان موحّد سيّد حرٍّ مستقلٍ محايد. وإلّا فالبديل عن ذلك هو تكرار قصة قايين وهابيل مرارًا وتكرارًا.