أنطونيو رزق - ردًّا على بدر الحاج

في العام 2024، لا زلنا نرى نفسنا مضطرين للأسف أن نرد على منظري ما بقي من الحزب القومي السوري، لكن لا يمكن أن يبقى ما تفضل به بدر الحاج من مغالطات وتضليل من دون رد:

أولاً، يقول الحاج إن المسيحيين تربوا على فكرة "التحالف مع المشروع الصهيوني" لأنهم أقلية في الشرق الأوسط ومن الطبيعي تالياً أن يتحالفوا مع اليهود الذين هم أيضاً أقلية. في الواقع، الشعوب تتصرف بحسب مصالحها وليس بحسب نسبتها الديموغرافية. رأت مصر والأردن والمغرب ومعظم دول الخليج أن مصلحتها تكمن في السلام مع إسرائيل بدل الحروب الدينية التي لا تنتهي، فهل لدى شعوب تلك الدول شعور أقلوي مثلاً؟ باختصار، المسيحيون في لبنان لا يهمهم التحالف مع اليهود أو أي شعب آخر لأنه أقلية في المنطقة مثلهم، ما يعنيهم هو الاستقرار وعدم جر بلادهم إلى حروب لامتناهية لا مصلحة له فيها، لذلك يطرحون الحياد.

ثانياً، يعيد الحاج عن سابق تصور وتصميم تكرار المزج الخاطئ بين الفدرالية والتقسيم، معتبراً أن مصدر الدعوات إلى الفدرالية هو نية العودة إلى زمن المتصرفية. رغم أن دعاة الفدرالية، في حال أقفلت الأبواب أمام مشروعهم، أكدوا مراراً أنهم لا يخجلون من طرح التقسيم ولا يعتبرون أن العودة إلى زمن المتصرفية أمراً سلبياً كما يراه الحاج، لكنهم أوضحوا مراراً أيضاً أن أولويتهم الفدرالية التي تشكل نظام حكم يمنح الأقضية المحلية صلاحيات تشريعية وإدارية ومالية الأمر الذي لا يمس في وحدة الدولة اللبنانية، فكر بالولايات المتحدة أو ألمانيا أو سويسرا. 

ثالثاً، يدعي الحاج أن المسيحيين يريدون الفدرالية لأنهم "لا يريدون العيش مع الآخر" وكأنهم "من أولاد البوربون والباقين فلاحين". بالحقيقة، لا يزال الحاج عالقاً في التفكير الطبقي الذي كان سائداً في القرن الماضي. لا يطرح دعاة الفدرالية مشروعهم من زاوية طبقية إذ يعلمون جيداً أن العامل الطبقي قليل التأثير في الحياة السياسية والاجتماعية اللبنانية المتمحورة حول الإختلافات الثقافية. إن الفدراليين يطرحون مشروعهم لأنهم يعترفون أن لبنان مكون من عدة شعوب ذات ثقافات مختلفة وبالتالي يؤكدون أن إدارة هذا التنوع عبر نظام مركزي هو بالضرورة مشروع حرب أهلية دائمة بين المكونات تارةً تكون حامية وتارةً تكون باردة. 

رابعاً، يعتبر الحاج أن لبنان كما يراه المسيحيون ويخشون أن يتغير وجهه الحضاري جراء الأيديولوجيات الأصولية هو عبارة عن "مصرف ومعهر وحفلة نفاق". بالحقيقة، إن الحريات التي بنيت عليها الجمهورية الأولى وبقيت رواسبها في الجمهورية الثانية، كانت دائماً مستهدفة ومكروهة من قبل المتزمتين. فلا يروق للحاج أن المرأة اللبنانية في الخمسينات أعطي لها حق التصويت قبل أن تعطى المرأة السويسرية الحق بذلك. ولا يعجبه أنه في حين كانت سوريا والعراق تتخبطان بالانقلابات العسكرية خلال الستينات وبداية السبعينات، كان لبنان مزدهراً اقتصادياً وصحافته حرة ولا تحكمه ديكتاتورية تقحمه في حروب خاسرة ومدمرة.

 خامساً، يحاول الحاج مساواة الإمارات العربية بإيران وميليشياتها في المنطقة وبالتالي القول إن التخوف المسيحي من الخمينيين كاذب لأن المسيحيين لا يبدون التخوف نفسه من أبو ظبي. إن المقارنة ما بين الإمارات العربية وإيران الخمينية وتوابعها الإقليميين مثير للسخرية. فحتى ولو أن القوانين الإماراتية ليست نسخة طبق الأصل عن القوانين النارويجية، إلا أنها تبقى بعيدة جداً عما هو عليه الحال في طهران حيث ما زالت النساء يجلدن لعدم ارتداءهن الحجاب. كما أن الإمارات منحت فرص عمل لآلاف اللبنانيين من مختلف الطوائف ما سمح لهم بتحقيق ازدهار واستقرار ورفاه في حياتهم عكس إيران الخمينية التي لا تمنح سوى الأموال والسلاح والخبرات لتوابعها الإقليميين بهدف السيطرة الطائفية وتغزية النزاعات في الدول العربية.