مارك اليان - ردًّا على مسرّة وقبّاني في ما يتعلّق بالفدراليّة

أوّلًا، يلجأ الدكتور مسرّة كلامه بإستخدام العبارات الفوقيّة والمستفزّة والخاطئة، واصفًا المطالبين بالفدراليّة الجغرافيّة بـ"القانونيّين غير الحقوقيّين والمثقّفين بلا خبرة"، متّهمًا إيّاهم ب"زعزعة شرعيّة الكيان اللبناني"، وكأنّ شرعيّة الكيان اللبناني قائمة على مركزيّة دولته مؤسّساته. بعد ذلك، يميّز الدكتور مسرّة بين "الفدراليّة الشخصيّة" و"الفدراليّة الجغرافيّة"، وهذا تمييزٌ واقعيٌّ. لكن سرعان ما "خبّص" عضو المجلس الدستوري السّابق عندما ربط "الفدراليّة الشّخصيّة" بأمور محقّة تتعلّق بنظام الأحوال الشّخصيّة -وهذا صحيح تمامًا - بيمنا ربط "الفدراليّة الجغرافيّة" بالتقسيم والتهجير والانصهار القسري والإجرام وغيرها من الخرافات. فالدكتور مسرّة يتكلّم وكأنّ المكوّنات اللبنانيّة لم تتقاتل وتهجّر وتهاجر في الماضي وفي الحاضر، عندما تصارعت قياداتها - وما زالت - من أجل السيطرة على الجزء الأكبر من السّلطة المركزيّة. ولأنّ التاريخ يعيد نفسه، لا بدّ من تصحيح شكل الدولة لصالح السّلم الأهلي الحقيقي والدائم.

لإثبات أنّ الفدراليّة عبارة عن "مشروع حرب"، يعود د. مسرّة إلى حقبة تاريخيّة قديمة لجبل لبنان، وهي فترة القرن التّاسع عشر وبالتحديد فترة نظام القائمقاميّتين (١٨٤٣-١٨٦١). هذه ليست مشكلة بذاتها، كوننا قلنا إنّ التاريخ يعيد نفسه وعلينا أن نأخذ منه العبر. لكن، كما ذكر الكتور مسرّة، ظهر نظام القائمقاميّتين في ظلّ الإمبراطوريّة العثمانيّة وبجهدٍ فرنسيٍّ، إذ قال القنصل الفرنسي آنذاك نيقولا بوريه Nicolas Bourrée لوزير خارجيّة بريطانيا لورد أبردين Lord Aberdeen : "فشلنا في تقسيم ما لا يقسّم والحلّ هو العودة إلى الوحدة". لكن ما لم يذكره الدكتور مسرّة أنّ هناك فرق كبير بين نظام سياسي تضعه القوى العظمى على شعبٍ وأرضٍ وجغرافيا استعمرتها وحكمتها حسب مصالحها في المنطقة أي في الشّرق الأوسط، وبين نظام سياسي يضعه شعبه لنفسه وحسب مصالحه وفي التوقيت الذي يراه مناسب وبتقنيّات محدّدة، ولو كان النظام هذا شبيه بنظام سابق فرضه الإستعمار في ظروف مختلفة تمامًا.

أمّا بخصوص اتّهامه المشروع الفدرالي بأنّه "مشروع صهيوني"، فلن نتوقّف عنده وإلّا نكون قد أولينا الكثير من الإهتمام للاتّهامات التي غالبًا ما تنبع من مناصري طرف معيّن في لبنان، بهدف تدمير أخصامهم معنويًّا.

هذا كلّه بخصوص الدكتور مسرّة. أمّا بخصوص الوزير خالد قبّاني، الذي أكّد أنّ "الفدراليّة لا يمكن أن تكون حلًّا لبلد قائم على التنوّع، نقترح عليه بكل إحترام أن يقول الشيء نفسه للسويسريّين والبلجيكيّين والكنديّين مثلًا. ففي هذه البلدان, لا يتشارك الناس حتّى لغة واحدة، علمًا أنّ اللغة غالبًا ما تشكّل القاسم المشترك الأساسي والأّوّل لشعبٍ ما في دولةٍ ما. ومع ذلك، حقّقت الفدراليّة في كلّ هذه الدول ذات التاريخ الدموي، العيش المشترك الذي يطمح إليه الأفراد والجماعات والمناطق. إذًا ليس صحيحًا أنّ الفدراليّة نقيض العيش المشترك.

إضافةً إلى ذلك، يستشهد الوزير قبّاني بالدستور وبإتّفاق الطائف: "لا تجزئة ولا توطين ولا تقسيم". لكن من قال إنّ الفدراليّة هي أيّ من ذلك؟ ولماذا الاستنسابيّة في الإشارة إلى النّصوص؟ هل إحترام الدستور واتّفاق الطائف الذي يدعونا إليه الدكتور قبّاني هي عمليّة à la carte ؟ فإتفّاق الطائف نصّ أيضًا على تطبيق اللامركزيّة الإداريّة، لكنّ رَجُلَي القانون مسرّة وقبّاني يرفضان حتّى تطبيق أدنى درجة اللامركزيّة، أي تطبيق إتّفاق الطائف المذكور بالدستور. طبعًا، كلّ ذلك من دون إعطاء أي سبب مقنع، ممّا يعطينا الحقّ في التساؤل عن الأسباب الحقيقيّة وراء هكذا موقف. وفي المناسبة، ألم يشغل الدكتور قبّاني مناصب تنفيذيّة عدّة طوال مسيرته السياسيّة ؟ ما هي المبادرات التي قام بها الوزير قبّاني أو اقترحها لتطبيق الدستور ؟

ثالثًا، قابلت الصحافيّة ناصر الدين وزير العدل السابق الدكتور إبراهيم نجّار، الذي يميّز بين "الحكم" من جهة، و "النظام" من جهة أخرى. وهذا ما يقوم به ليلًا نهارًا، عن سوء النيّة أو عن جهل، شخصيّات معارضة للطبقة السياسيّة الحاكمة، عندما ينتقدون في مقالاتهم ومقابلاتهم التلفزيونيّة، "المنظومة" بمعنى establishment، وليس النظام. أمّا الفدراليّون، فلديهم الشجاعة والنضج الفكري لإنتقاد كليهما.

النقطة الأخيرة التي يجب التوقّف عندها هي شرط الإجماع لتغيير النظام الذي ذكره الدكتور نجّار، ممّا يتطلّب عقد مؤتمر تأسيسي جديد. يقول الدكتور نجّار إنّ "اللبنانيّين يعرفون أيضًا أنّ الفدراليّة مشروع يتطلّب موافقة المكوّنات اللبنانيّة عليه، لأنّها عقد اجتماعي وسياسي ومناطقي". هذا صحيح في الشّكل، لكنّه قاتل بالمضمون. فهل انتظرت قوى سياسيّة كحزب الله أيّ إجماع أو أيّ وفاق لتباشر بتنفيذ فدراليّتها الخاصّة في مناطق نفوذها ؟