أسئلة للوزير شارل رزق

هشام بو ناصيف

الوزير شارل رزق شهابي عتيق. عيّنه الرئيس فؤاد شهاب عام 1960 كأصغر مدير عام في الادارة اللبنانيّة، ولعلّ دفاعه عن الصيغة اللبنانيّة يعكس خلفيّته هذه. في حلقة برنامج "صار الوقت" البارحة، أعاد الوزير رزق البارحة تكرار معزوفة قديمة – جديدة مفادها أنّ النظام اللبناني جيّد، بل "لا تشوبه شائبة"، سوى أنّ "التطبيق خاطئ". نأمل أن يتّسع صدر الوزير رزق للأسئلة التالية:

1) منذ رحل الفرنسيّون عنّا عام 1943، سيطرت مصر الناصريّة على قرارنا الوطني في الخمسينات، قبل أن تندلع الحرب الأهليّة الأولى عام 1958. بعدها، فشل لبنان بمنع منظمّة التحرير الفلسطينيّة من بناء دولة داخل الدولة أيّام "جمهوريّة الفاكهاني" (الحيّ البيروتي الذي أدار ياسر عرفات منه شؤون عصابته)، بعد أن أجبر لبنان على التخلّي عن سيادته في اتّفاق القاهرة عام 1969، وصولًا إلى 15 عامًا من الحرب الأهليّة بعد العام 1975، ثمّ احتلال مزدوج سوري – إسرائيلي، تلاه وضعنا الحالي كدولة تحكمها إيران بالوكالة. حصل كلّ ذلك، ويحصل، في ظلّ صيغة 1943. أيعقل أنّ نظامًا جرّ كلّ تلك المصائب "لا تشوبه شائبة"؟ لماذا، مثلًا، لم تتمكّن الدولة اللبنانيّة من بناء جيش قوي يسحق بدون رحمة أيّ محاولة للتعدّي على حقّها الطبيعي بحصريّة استعمال العنف فوق أراضيها؟ ولماذا رجال الدولة هم الاستثناء – فكّر، كميل شمعون، أو الياس سركيس، أو شفيق الوزّان – والنخب السياسيّة عمومًا، مهرّج يلي مهرّجًا؟ أيعقل فعلًا أنّ النظام بريء من رداءة نخبه؟

2) انتقلنا، في الصيغة الحاليّة، من شعور المسلمين بالغبن، قبل العام 1990، إلى "الإحباط المسيحي" بعده، وصولًا إلى الضياع وانعدام الوزن الحالي. لم يمرّ على لبنان عقد واحد لم يكن فيه هذا المكوّن، أو ذاك، في حالة تمرّد ضمني أم صريح، على النظام. تململ المسلمين في الجمهوريّة الأولى لم يكن تفصيلًا: من خلاله تسرّبت إلى البلاد كلّ الفيروسات التي حفل بها المحيط، من الناصريّة، إلى العرفاتيّة، وصولًا إلى الخمينيّة. ولا تململ المسيحيّين كان تفصيلًا. المدرسة العونيّة خيانة للبنان صافية من يومها الأوّل. مع ذلك، نجح ميشال عون ببناء قاعدة مسيحيّة واسعة بحجّة "استعادة الحقوق" و"الرئيس القوي" وسائر الشعارات المعروفة. تناوبت نخب الطوائف على المشروع اللبناني، فأردت التجربة الليبراليّة اليتيمة في مشرقنا العربي. تكرارًا: هل النظام بريء فعلًا من مثالب نخبه؟ واستطرادًا: رئيس البلاد ممثّل المسيحيّين بالحكم، في الصيغة الحاليّة؛ ورئيس المجلس، الشيعة؛ ورئيس مجلس الوزراء، السنّة. كيف يمكن ألّا يتحوّل أيّ خلاف بين رئيس الجمهوريّة ورئيس مجلس الوزراء الى صدام مسيحي–سنّي؟ أو الخلاف بين رئيس الحكومة ورئيس مجلس النوّاب إلى صدام سنّي – شيعي؟ ثمّ: أليس شعور الدروز بالهامشيّة في النظام الحالي مبرّرًا؟

3) لبنان بلاد صغيرة محاطة بدول أقوى منها، وتوسّعيّة. عموم السوريّين – سواء كانوا بالموالاة، أو المعارضة؛ وسواء كانوا سنّة أو علويّين– لم يتصالحوا إلى الآن مع حقّه بالوجود. الكراهية السوريّة للبنان مخيفة، ومن يتابع وسائل التواصل الاجتماعي السوريّة لا بدّ أن يلحظها. ثمّ أنّ الدول القويّة عمومًا في الإقليم – إيران اليوم؛ سوريا في السابق – لم ولا تتردّد عن استعمالنا كساحة لتصريف صراعات النفوذ الإقليمي. الحياد ملاذنا الطبيعي، والنظام الحالي يسكت عنه. كيف يمكن الدفاع عن نظام لبناني غير محايد؟ مجرّد سؤال.

4) مرّت مئة عام على قيام لبنان، ولا تزال عكّار فقيرة، وكذلك بعلبك – الهرمل. طرابلس؟ تملك عاصمتنا الثانية كلّ ما هو ضروري لتزدهر (المرفأ؛ والمصفاة؛ والمعرض؛ والمنطقة الاقتصاديّة؛ والمطار القريب في القليعات)، ولكنّها فقيرة. كيف يمكن الدفاع عن نظام لم ينجح بتوزيع الثروة، يوم كان هناك ثورة لتوزَّع، ولن ينجح اليوم بانتشالنا من القعر، وهو قادنا إليه أصلًا؟

شارل رزق ليس شيوعيًّا؛ ولكنّ دفاعه عن النظام اللبناني يشبه دفاع الشيوعيّين عن الإيديولوجيا الشرّيرة الخاصّة بهم. في ظلّها، مات ملايين الصينيّين جوعًا يوم أطلق ماوتسي تونغ "القفزة الكبيرة الى الأمام"؛ ومات الملايين من الفلّاحين الروس جوعًا في حقل تجارب ستالين؛ وقضى الخمير الحمر على مئات الآلاف من أبناء شعبهم في حقول الموت بكمبوديا؛ وتحوّلت كوريا الشماليّة، وكوبا، وفيتنام، وسواها، إلى جمهوريّات خوف كبيرة؛ ومع ذلك، يصرّ شيوعيّون إلى اليوم أنّ المشكلة كانت بالتطبيق، لا بالنظريّة. الوزير رزق يستعيد المنطق التبريري عينه. عذرًا معالي الوزير. لم نقتنع.