أسئلة للرئيس

هشام بو ناصيف

من هم "أهل المنظومة" الّذين اتّهمهم رئيس الجمهوريّة ميشال عون أمس بأنّهم "رفضوا أن يتخلّوا عن أيّ مكسب، ولم يحسبوا للناس حساب"؟ هذا أوّل سؤال بديهي تطرحه رسالة عون للّبنانيّين. هل نبيه برّي من المنظومة، مثلًا؟ في العام 2018، صّوت نوّاب التيّار الوطني الحرّ له رئيسا لمجلس النوّاب باعتبار أنّه "لا يمكن تجاهل المرشح الذي اختارته غالبيّة الطائفة الشيعيّة"، كما قال جبران باسيل آنذاك. هل سعد الحريري بدوره من أهل المنظومة؟ عون دعمه رئيسًا للحكومة، وتحالف معه في انتخابات العام 2018. كلّنا يذكر جولة سعد الحريري الانتخابيّة في البترون والكورة بأيّار 2018. يومها، دعا الحريري سنّة الشمال لمنع تحجيم تيّار المستقبل، وربط ذلك بإعطاء الصوت التفضيلي في البترون لـ"صديقه"جبران باسيل كما أسماه. ألم يكن الحريري من المنظومة يوم تصرّف عمليًّا كمفتاح انتخابي لباسيل في الشمال؟ استطرادًا: هل سمير جعجع من المنظومة؟ ميشال عون مضى معه اتفاقيّة معراب الشهيرة. كلّنا قرأ ملحقها "السرّي" الذي نشرته القوّات لاحقًا: ببساطة شديدة، معراب كانت تفاهمًا بين عون وجعجع على تقاسم مغانم الحصّة المسيحيّة بتعيينات الدولة، مقابل دعم القوّات ترشيح عون للرئاسة. ثمّ ماذا عن حزب اللّه؟ عندما أرسل نصر اللّه الـ"شيعة شيعة شيعة" لضرب متظاهري 17 تشرين وحرق خيامهم وسط بيروت، ألم يكن الحزب جزءًا من "المنظومة"؟ كان حاميها، بالحقيقة، ولا يزال.

مغزى ما سبق بسيط: في كلّ مرّة اقتضت مصلحته ذلك، تحالف عون مع كلّ من أحزاب لبنان الرئيسيّة. الحجّة كانت دائمًا غبّ الطلب. الحلف مع حزب اللّه حماية للوحدة الوطنيّة. الحلف مع القوّات توحيد للصفّ المسيحي. التصويت لبرّي احترام للميثاقيّة ورغبة الناخب الشيعي. التوافق مع الحريري تطبيق لمقولة "ما في نوى إلّا سوا" التي رفعها العهد في بدايته. لم يترك ميشال عون حزبًا رئيسيًّا واحدًا لم يتحالف معه في طريقه الى الرئاسة، ومع ذلك يضع نفسه اليوم بمواجهة "المنظومة".

ولكنّ جوهر المشكلة في خطاب الرئيس أعمق بعد. بتشخيصه للأزمة، تحدّث عون عن الفساد، والدولة المدنيّة، واللامركزيّة الإداريّة والماليّة الموسّعة، وتجنّب جوهر المأساة اللبنانيّة الحاليّة، عنيت السلاح غير الشرعي، واستتباع قرارنا الوطني لسياسات طهران الإقليميّة. الرئيس لم يذكر سلاح الحزب إلّا لجهة التأكيد أنّ الدفاع عن الوطن يتطلّب "تعاونًا بين الجيش والشعب والمقاومة". لا تعني هذه الجملة بالتحديد سوى أنّ تغطية عون لسلاح حزب اللّه مستمرّة، وهي كانت من يومها الأوّل ثمن رئاسته – تمامًا كما كان قبول اتفاقيّة القاهرة عام 1969 ثمنًا مسبقًا دفعه طامحون للرئاسة وقفوا آنذاك مع عبد الناصر، ومع خونة محليّين طائفيّين، ضدّ أبسط بديهيّات المصلحة الوطنيّة اللبنانيّة. بعد كلّ ما جرى ويجري، بعد سلسلة الاغتيالات التي قطفت زهرة من الشخصيّات اللبنانيّة، من رفيق الحريري الى لقمان سليم، وبعد انفجار المرفأ، وبعدما صارت صورة بلادنا في الخارج مرتبطة بتصدير الكبتاغون، وبعدما وصلت علاقاتنا مع المحيط العربي إلى الحضيض، لا يزال الرئيس يغطّي "المقاومة". لا ينفع بعدها قول عون إنّ السياسة الدفاعيّة العامّة ترسمها الدولة. بمجرّد أن يقبل لبنان بسلاح غير شرعي على أرضه، تنتفي عنه صفة الدولة أصلًا، لأنّ حصريّة العنف الشرعي شرطها الشارط.

ثمّ، عندما ينتقد عون للمرّة الألف المسؤول عن عرقلة الحوار مع سوريا لإعادة النازحين السوريّين إليها، لماذا لا يسمّيه؟ من هو هذا المعرقل الدائم الحضور بخطابات الرئيس، ومجهول الهويّة؟ صدقًا، لا نعلم. وبما أنّ الشيء بالشيء يُذكر: من المسؤول عن أزمة النازحين أصلًا؟ أليس هو من استعمل الأسلحة الكيمائيّة ضدّ المدنيّين السوريّين في غوطة دمشق، وفي غير الغوطة؟ أليس المسؤول من أرسل حزب اللّه، و"الفاطميّون" (شيعة افغان)، و"الزينبيّون" (شيعة باكستانيّون)، و"الحشد الشعبي" (شيعة عراقيّون) لذبح شعب جريمته أنّه تعب من حكم آل الأسد المستمرّ منذ 1963؟ النظامان السوري والإيراني جذر مأساة السوريّين في الشام، وتبعاتها بلبنان. ولكنّ عون يكتفي منذ سنوات بالشكوى من اللاجئين، وتحييد جزّاريهم.

سأل الرئيس في خطابه أيضًا: "بأيّ شرع يتمّ تعطيل مجلس الوزراء؟" السؤال وجيه، والإجابة بسيطة: 1) من يعطلّ المجلس هو الثنائي حزب اللّه – حركة أمل. 2) حزب اللّه قادر على هذا التعطيل لأنّه مسلّح. عودة هنا إلى النطقة صفر: السلاح جذر المشكلة في لبنان، ومن يسكت عن الأصل، كما يفعل عون، عليه بقبول الفرع أيضًا.

والحال أنّ الكثيرين يستعجلون رحيل عون عن الرئاسة. ما أستعجله أكثر هو نضج مجتمعي يحول بين شعبويّي المستقبل، وعقول اللبنانيّين. كي لا يكون مستقبل بلادنا استعادة لا تنتهي لماضيها.