ما لم يفهمه جبران باسيل

هشام بو ناصيف

لنكن واضحين: 1)جبران باسيل يصارع من أجل البقاء. بعد قرار المجلس الدستوري، بات مقعد باسيل النيابي بالبترون – وتاليًا، زعامته، واستمراريّة حزبه – في مهبّ الريح. ما يريده نبيه برّي ليس أقلّ من رأس باسيل، بالمفهوم السياسي طبعًا، وهذا بات اليوم على المحكّ.2) ساعة محنته، بدا بوضوح كم أنّ باسيل لا يعني كثيرًا لحزب اللّه. صاحب الكلمة المسموعة بسياسة لبنان ترك الشريك المفترض يسقط دون رفّة جفن. الأمور بهذا الوضوح.

ما لم يفهمه باسيل منذ تورّط بالعلاقة مع حزب اللّه، والصراع مع برّي، هو هذا: 1) وحدة الصفّ الشيعي أهمّ بكثير للحزب من العلاقة مع باسيل، وذلك لسببين. من جهة، يمكن للحزب عبر العلاقة مع "أمل" إقفال الطائفة الشيعيّة على محاولات الاختراق، وتاليًا تعطيل البلد بحجّة الميثاقيّة. من جهة ثانية، لا تزال قاعدة أمل الشيعيّة وازنة، ونبيه برّي لم يعد شابًّا. لا بدّ أنّ الحزب ينظر لسنوات الى الأمام، ويحضّر نفسه لإمساك ما أمكن من قواعد "أمل"، بعد برّي. العلاقة المستقرّة مع الحركة اليوم ضرورة لالتهام تركتها غدًا. مقابل هذا المعطى تحديدًا، ليس عند باسيل الكثير ليقدمّه. 2) الحضور المسيحي كما يفهمه الحزب مستوحى من النموذج الإيراني. عندما يتكلّم الحزب عن "التسامح"، و"حماية المسيحيّين" من داعش وسواها، ما يقصده هو أن يكون وضعهم في لبنان، كما وضعهم في إيران: ذميّون في كنف الإسلام. الخميني لم يهجّر المسيحيّين من إيران يوم انتصر، بل تركهم حيث ينتمون من وجهة نظر دينيّة: كفّار محتقرون على هامش السلطة والسياسة والمدينة. حزب اللّه امتداد لهذا الفكر؛ واهم من يصدّق أنّ تعامله مع قوّة مسيحيّة على قاعدة النديّة ممكن.

وحيدًا يسقط باسيل. استعدى الرجل كلّ السنّة تقريبًا، وغالب المسيحيّين، والدروز. اليوم، يوجّه له الثنائي أمل/حزب اللّه صفعه لعلّها قاتلة. ومع أنّ باسيل على لائحة عقوبات أميركيّة بسبب علاقته بالحزب، الواقع أنّ حصادها هزيل. ربّ قائل طبعًا أنّ التلاقي مع الحزب صنع رئاسة ميشال عون. هذا صحيح. ولكن، أمّا وأنّ نتاج العهد هو ما هو عليه، فيمكن القول بكثير ثقة إنّ رئاسة عون كانت بداية نهاية تيّاره. تاليًا، يمكن القول أيضا أنّ تفاهم مار مخايل كانت بداية نهاية مستقبل باسيل السياسي. أتحدّث هنا طبعًا عمّا أفترض أنّ باسيل حلم به يوم وعد بأنّه سينسي المسيحيّين بشير الجميّل وكميل شمعون، أيّ عن زعامة تاريخيّة وازنة. أمّا أنّ يستمرّ باسيل كبيدق من بيادق عدّة يحرّكها الحزب في لبنان، فهذا ممكن طبعًا.

بل لعلّه أيضًا مرجّح. ما خيارات باسيل الأخرى، في نهاية المطاف؟ من يتورّط كما تورّط هو بعلاقة مع لاعب كحزب اللّه، لا يستطيع أن يتراجع عنها ساعة يريد. الأكلاف تكون خطرة، أليس كذلك؟ يلوح على البال هنا خلافات "العائلات" في فيلم العرّاب، مع فارق طبعًا أنّنا نتكلّم بهذه الحالة عن عائلة قادرة على التصفية والقتل، وأخرى فقّاعة صوتيّة لا أكثر. أقصى ما يمكن لباسيل فعله هو القرقعة، وإطلاق البخار الحبيس، وشدّ عصب طائفي لن يزعج الحزب لأنّه لا يغيّر شيئًا بقواعد اللعبة، أو موازين القوى.

نهاية حزينة لتيّار شكّل يوما رافعة آمال طبقة وسطى لبنانيّة عريضة. ولكنّها أيضًا نهاية مستحقّة تمامًا، ولعلّ درسها يكون واضحا لكلّ ناهد للعلى مستقبلًا: إمّا خيانة لبنان، أو الزعامة في جبله. الجمع بين الاثنين محال.