موسم الهجرة إلى الهراء

هشام بو ناصيف

عندما يدعو رئيس حركة حماس خالد مشعل المسؤولين في لبنان لمعاقبة المسؤولين عن المقتلة التي تلت تشييع حمزة شاهين في مخيّم برج الشمالي، جنوب لبنان، ماذا يقصد تحديدًا؟ هل هي دعوة للجيش اللبناني لدخول المخيّم وفرض سيادة الدولة اللبنانيّة على أرض هي لبنانيّة بنهاية المطاف؟ لا. هل كلام مشعل وعد بتسليم سلاح الفصائل الفلسطينيّة في المخيّمات، أو أقلّه سلاح حماس؟ لا مجدّدًا. حسنًا، ماذا يعني الكلام الذي أطلقه مشعل بعد زيارته الجماعة الاسلاميّة، ودار الفتوى؟ الجواب أن لا ضرورة للمعنى، في زمن طوفان الهراء علينا من كلّ حدب وصوب.

في كانون الاوّل من العام 2020 سرّب صحافيّون تعميمًا صادرًا من وزارة الأوقاف التابعة لحركة حماس بغزّة يشي بانزعاج الحركة من تفاعل المسلمين مع أعياد الميلاد ورأس السنة في القطاع. وقد أوصى التعميم الذي نشرته وسائل الإعلام العربيّة والعالميّة على نطاق واسع بالتفكير بطرق هادفة لتنشيط "فعاليّات الإدارة العامة للوعظ والإرشاد الديني للحدّ من فعاليّات الكريسماس". مع ذلك، ينبغي لنا أن نستمع لخالد مشعل يحدّثنا بحرارة عن تمنيّاته للأمّة بتجاوز "التقسيمات العرقيّة والطائفيّة والمذهبيّة" باعتبارها من "صور التفتيت التي تقف اسرائيل والأميركيّون وقوى عظمى خلفها". المسيحيّون في غزّة أقلّ من ألف نسمة محاطون بمليوني مسلم، ولكن صدر حماس لا يتّسع لاحتفالات عيد الميلاد. أيّ تفتيت لـ"الامّة" أكثر من هذا؟ وأساسًا: أيّ ايديولوجيا سعّرت الاستقطاب المجتمعي في المنطقة – مسيحي/مسلم؛ سنّي/شيعي؛ محافظ/ليبرالي – أكثر من الأصوليّة الدينيّة التي تشكّل حماس واحدة من ثمارها المرّة؟

في هذه الأثناء، ترتفع أصوات نوّاب عونيّين بنقد حزب اللّه. لزمن الانتخابات أحكامه، أليس كذلك؟ إنهيار التيّار بالإنتخابات الطالبيّة والنقابيّة مؤشّر مقلق، وحصر تصويت المغتربين ببضعة مقاعد الذي يسعى له الوزير جبران باسيل غير مضمون إلى الساعة. لا بدّ أنّ التيّار مذعور من الانتخابات القادمة، والبحث عن مخرج جارٍ على قدمٍ وساق. الحلّ الأفضل إلغاؤها بطبيعة الحال، ولكنّ هذا غير مضمون بدوره. تبقى الخطّة "ب": التبرّؤ من حزب اللّه قبل الانتخابات لرفع الحرج أمام الشارع المسيحي، على أن تعود المياه إلى مجاريها فورًا بعد إقفال الصناديق.

هذا الهراء عندنا هو النسخة اللبنانيّة لهراء حماس الفلسطيني. وبمقدار ما تتعمّق أزمات اللبنانيّين والفلسطينيّين، بمقدار ما سيطوف الهراء عليهم بعد أكثر. لا شيء عند نخبهم الحاكمة غيره لتعطيه.