فزّاعة التوطين: الدجل المنظّم

هشام بو ناصيف

مجدّدًا يعود جبران باسيل الى نغمة مكافحة التوطين. المناسبة هذه المرّة قرار أسيئ فهمه لوزير العمل مصطفى بيرم. من يكلّف نفسه عناء قراءة المادّة الثانية من القرار المذكور يرى أنّ استثناء الفلسطينيّين من أحكام قانون العمل التي تحصر أعمالا باللبنانيّين مشروط ب"التقيّد بالشروط الخاصّة بالمهن المنظّمة بقانون". أمّا وأنّ جلّ المهن منظمّة فعلا بقانون – أطبّاء، مهندسون، محامون، صيادلة، أساتذة جامعات ومدارس، ممرّضون، الخ – فهذا يعني أنّه لا يحقّ للفلسطينيّين ممارسة هذه الأعمال بدون اذن خاصّ من الوزارات المعنيّة، وبعد الحصول على موافقة النقابة المعنيّة أيضا. هكذا كانت الأمور دوما في لبنان، بما في ذلك عندما تولّت القوّات اللبنانيّة وزارة العمل عبر الوزير كميل بو سليمان، وهكذا لا تزال اليوم. كلّ ما في الأمر أن قرار الوزير بيرم وسّع إمكانيّة استخدام الفلسطينيّين في بعض المهن التي لم تكن ممنوعة عليهم أصلا. يعني لنقل أنّه كان ينبغي لصاحب فرن صغير أن يوظّف أربع لبنانيّين مقابل توظيف فلسطيني واحد، صار بامكانة اليوم أن يوظّف فلسطينيًّا مقابل ثلاثة لبنانيّين. هذا كلّ شيء.

باستثناء طبعا أنّ جبران باسيل لا يستطيع أن يفوّت فرصة لاستخدام فزّاعة التوطين، فسارع للتغريد على تويتر "معتبرا أنّ "قرار وزير العمل السماح للفلسطينيّين ومكتومي القيد بممارسة عشرات المهن المحصورة باللبنانيّين مخالف لقانون العمل والدستور وهو توطين مقنّع ومرفوض"، داعيًا النقابات لكسر القرارت أمام مجلس شورى الدولة، ومتوّعدا "ما بتمرق هيك قصّة. وما رح نسمح بتشليح اللبنانيّين وظائفهم بهالظروف". وعدا عن أنّ تفسيره لقرار وزير العمل اعتباطي، يفوت باسيل أمور ثلاثة هنا: الأمر الأوّل، هو أنّ من منع التوطين فعلا في بلادنا هم المقاتلون اللبنانيّون الذين واجهوا القوى الفلسطينيّة بالحرب، وأنّه هو، أي باسيل، رئيس حزب شيطن المقاتلين هؤلاء باعتبارهم "ميليشيات"، وقطّاع طرق جلّ ما فعلوه مصادرة ربطات الخبز على حاجز البربارة. عندما يقدّم باسيل نفسه كمانع التوطين في لبنان، فهو ينتحل صفة، بكلّ بساطة. الأمر الثاني، بقدر ما كانت مواجهة الزمر المسلّحة الفلسطينيّة في الحرب ضرورة لبنانيّة، بقدر ما خطاب باسيل اليوم ضدّ الفلسطينيّين بصفتهم هذه غير مبرّر. نعم، شكّلت منظّمة التحرير من نهاية الستّينات الى العام 1982 دولة داخل الدولة. من الدولة داخل الدولة اليوم، ومن يغطّيها؟ وأمّا الأمر الثالث، فهو أنّ من "شلّح" اللبنانيّون وظائفهم هو النظام اللبناني الذي يشكّل حلفاء باسيل نواته الصلبة، فيما يقف عمّه شكلا على رأس الهرم فيه. أركان المنظومة الحاكمة آخر من يحقّ لهم التباكي على وظائف اللبنانيّين وأحوالهم، باستثناء أنّ لكلّ شيء في الدنيا حدود عدا دجلهم لحظة افلاسهم السياسي.

ليست المسألة مسألة تغريدة عابرة بقدر ما هي "ستايل" سياسي يختصّ به رئيس التيّار الوطني الحرّ. فكّر بمسألة اقتراع المغتربين، مثلا. بالشكل، يقدّم باسيل نفسه كبطل حقّهم بالتصويت في الانتخابات المقبلة. عمليّا، تضجّ صالونات بيروت بأخبار مقايضة يتمّ تحضيرها بين نبيه برّي وجبران باسيل قوامها خلع القاضي طارق بيطار مقابل تعطيل حقّ المغتربين بالتصويت ل128 نائبا. ابحث قليلا، قليلا فقط، خلف الشعار والخطابيّة، ترى أنّ لا شيئا، بعد الدجل المنظّم، سوى المزيد منه.

والحال أنّ جبران باسيل ليس أوّل سياسي يستخدم ورقة الهويّة في بلادنا الزاهرة. لن يكون الأخير. دورنا كمواطنين غير مستقيلين من مصير بلادنا العمل على تقليص الرقعة القابلة للخداع في مجتمعنا. المواجهة مع الشعبويّين من فوق نربحها بمعالجة الهذيان الأقلّوي من تحت.