الإمارات: الوجه العربي للفدراليّة

مازن عسيران

من يظنّ أنّ الفدراليّة تجربة غريبة عن العالم العربي ينسى أنّ نظام الحكم فدرالي في واحدة من أكثر دوله رخاءً، عنيت الإمارات. ومنذ العام 1971، التقت الكيانات التي كانت معروفة سابقًا باسم الإمارات المتصالحة لتشكّل دولة الإمارات العربيّة المتّحدة. وتوسّع الاتّحاد عام 1972 مع انضمام امارة رأس الخيمة إليه. وبحسب نظام الإمارات الفدرالي–الإتّحادي، يكون اختصاص الإمارة هو الأصل، واختصاص الإتّحاد هو الإستثناء. ويكوّن حكّام الإمارات السبع المجلس الأعلى للإتّحاد، ويكون رئيس الدولة ونائبه حكمًا من أعضاء هذا المجلس، وذلك لولاية مدّتها خمس سنوات. ويشغل نائب رئيس الدولة عمليًّا منصب رئيس مجلس الوزراء.

بهذا، تتألّف السلطة التنفيذيّة في الإمارت من رئيس الإتّحاد، ونائبه، وأعضاء المجلس الأعلى للإتّحاد، أي حكّام الإمارات السبع كما ذكرنا. ويجتمع المجلس الأعلى أربع مرّات في السنة لرسم السياسات العامّة وإقرار التشريعات الإتحاديّة. وتتألّف السلطة التشريعيّة في الاتّحاد من مجلس واحد هو المجلس الوطني الإتّحادي. ولا يتمتّع هذا المجلس بصلاحيات تشريعيّة بعد، بل يمارس دورًا استشاريًّا فقط حتّى إشعار آخر.

وفي الإمارات قضاء اتّحادي يشمل جميع الإمارات باستثناء ثلاث هي أبوظبي، دبي، ورأس الخيمة. كما توجد في كل إمارة محاكم جنائيّة وشرعيّة منفصلة، ومحاكم استئناف اتحاديّة. أمّا محكمة التمييز، فمقرّها أبو ظبي، ولديها صلاحيّة واسعة تشمل الفصل في المنازعات بين المحاكم، وتقرير دستوريّة القوانين المحليّة والاتحاديّة، والتحقيق في إساءة التصرّف المرتكب من جانب كبار الموظفين الحكومييّن، والفصل في دعاوى المخالفات الموجّهة ضد الاتّحاد.

وساعد النظام الفدرالي الإمارات على تطوير واحد من أكثر الإقتصادات نموّا في غرب آسيا. وبعد أن كان حجم القطاعات غير النفطيّة يقتصر على 10 في المئة من الاقتصاد المحلّي عام 1971، ارتفع ليشكّل حوالي 70 في المئة من الناتج المحلّي اعتبارًا من العام 2010. وتنفق الإمارات سنويًا مليارات الدراهم على البنى التحتية التي تعدّ أكبر مشاريع المنطقة، حيث تستحوذ على 37% من القيمة الكليّة للمشاريع. وضخّت الإمارات استثمارات ضخمة في السياحة والرفاهيّة والقطاع العقاري، الأمر الذي يمكن مشاهدته جليًّا في الإمارات الكبرى كأبوظبي ودبي، حيث المشاريع العمرانيّة والصروح التي باتت وجهات سياحيّة عالميّة كمدينة مصدر، وجزيرة السعديّات في أبوظبي، و برج خليفة في إمارة دبي، إضافة إلى دبي ورلد سنترال الذي يمتد على 140 كيلو متر مربع. هذا ويعتبر مطار آل مكتوم الدولي أكبر مطار في العالم.

من جهة أخرى، مكّن النظام الفدرالي الإمارات من احتلال المركز الأول عالميًّا في مؤشر الكفاءة الحكوميّة وحسن إدارة الأموال العامة، بحسب الكتاب السنوي للتنافسيّة العالمية 2014. وصعد الشعب الإماراتي إلى صدارة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كأسعد شعوب العالم ضمن مؤشر السعادة العالمي لعام 2016. وبحسب تقرير التنافسيّة العالمي 2016-2017، احتلّت الإمارات المركز الأوّل عالميًّا في جودة الطرق، والثاني بعد سنغافورة لناحية جودة البنية التحتيّة للنقل الجوّي.

ولا يزعم هذا المقال أنّ الفدراليّة هي السبب الوحيد وراء نجاحات الإمارات الكثيرة. ولكنّ الأكيد أنّ الفدراليّة سهّلت صعود الإمارات العربيّة السريع في العقود الماضية. ومهما اشتدّت حملات شيطنة الفدراليّة وتشويهها في لبنان، يبقى أنّ أحدًا لا يستطيع أن ينكر حقيقة دامغة مفادها أنّ أنجح دولة عربيّة ... فدراليّة.