إنتخابات الجبل: السيادة أم الإصلاح؟ (1/2)

هشام بو ناصيف

لنفترض أنّ واحدنا مقتنع أنّ القوّات اللبنانيّة سياديّة وغير فاسدة. ولنفترض أنّ واحدنا مقتنع أنّ مواقف وليد جنبلاط من حزب اللّه مقبولة عمومًا، ولكنّه مشارك مع سواه بنهب الدولة اللبنانيّة. لنفترض، أخيرًا، أنّ القوّات تحالفت مع جنبلاط بالإنتخابات المقبلة، ماذا نفعل؟ ألا نُضعف الجبهة السياديّة لو تمنّعنا عن دعم عمودها الفقري، أي القوّات؟ من جهة ثانية، أيُعقل بعد كلّ ما جرى أن يصوّت أيّ لبناني مستقلّ لنفس المنظومة المتورطّة بالنهب المنظّم للدولة اللبنانيّة، منذ عقود، ومنها حلفاء قدامى للقوّات كوليد جنبلاط، وسعد الحريري؟ نعلم سلفًا أنّ الصوت الشيعي سيعيد حزب اللّه وأمل إلى الواجهة. جلّ ما يفعله المعارضون الشيعة بنهاية المطاف هو التسكّع في بدارو والأشرفية، وشتم القوّات. لا أحد منهم قوّة جديّة، ولن يصير حتّى إشعار آخر. ولكن، لو ساعدنا وجوهًا كجنبلاط، والحريري للعودة و/أو البقاء في سدّة الواجهة، فكيف يمكن لنا بعدها أن نطلب مساعدة المجتمع الدولي الماليّة، أو حتّى تعاطفه، علمًا أنّه تعب منّا وبات غير مبالٍ أصلًا؟

قلنا سابقًا أنّنا، في لبنان الفدرالي، نتاج 14 آذار و 17 تشرين معًا، أي أنّنا سياديّون وإصلاحيّون في آن. الجانب السيادي يخشى فكّ تواصل القوّات-الإشتراكي، لأنّهما قوّتان لبنانيّتان أساسيّتان يؤمّن وجودهما الحدّ الأدنى ممّا بقي من توازن سياسي في البلد (وربّما، أقلّ من الحدّ الأدنى، في المعطيات الإقليميّة والدوليّة القائمة، ولكن هذا الموجود). ثمّ أنّ أيّ صدام بين القوّات والاشتراكي في الجبل ربّما يخرج من عقالها شياطين ماضٍ قديم، يوم حارب بعض الجبل بعضه الآخر، فضاع البلد كلّه، ولا يزال. ولكن من جهة أخرى، لا يمكن للقوّات أن تستمرّ إلى الأبد بتقديم نفسها على أنّها بريئة من الفساد في لبنان، ثمّ تتحالف عند كلّ محطّة جديّة مع أركانه. ثمّ أنّ فكرة التصويت لأيّ من قوى المنظومة (ومنها، تكرارًا، وجوه كجنبلاط والحريري) لا تطاق. هكذا، بكلّ وضوح وصراحة: هذه الفكرة لا تحتمل. نأخذ على القوى البديلة في الجبل مراهقتها السياسيّة المستدامة، واستسهالها وضع القوّات وحزب اللّه في خانة واحدة. هذا تهريج خالص، وأيضًا، كذب. يبقى أنّ هذه القوى غير متورّطة بنهب البلد وإفقاره. يبقى أيضًا أنّها حقّقت أرقامًا مقبولة بالإنتخابات الماضية. لولا تحالف القوّات مع جنبلاط، لربّما تتمكّن هذه القوى من إيصال وجوه جديدة إلى الندوة النيابيّة، وهذه حاجة لبنانيّة عامّة، وحاجة أيضًا في الجبل. نعلم أيضًا أنّ قاعدة الإشتراكي في الجبل سياديّة، ونتساءل عن حجم التسرّب من هذه القاعدة باتّجاه القوى البديلة، بعد كلّ ما جرى ويجري في السنوات الاخيرة.

لا يوجد أجوبة بديهيّة على كلّ ما سبق. سياسات لبنان معقّدة، وسياسات الجبل، كما تاريخه، تعقيد المعقّد. زمن الخيارات السهلة – على افتراض أنّ خياراتنا كانت يومًا كذلك – صار من الماضي.