مزهر والحرب على بيطار

حنان رحمة

واجهت التحقيقات في ملفّ تفجير المرفأ باكرًا حروبًا شرسة، تارةً بتهديدات مبطّنة أو مباشرة، وطورًا عبر طلبات كفّ يد المحقّقّ العدلي القاضي طارق بيطار. اندلعت آخر جولات هذه الحروب قبل فترة، حيث عمد عضو مجلس القضاء الأعلى القاضي حبيب مزهر لعرقلة التحقيق لمدّة أسبوع عندما استلم من تلقاء نفسه، ومن دون تكليف قانوني، ملفّ دعوى كفّ اليد ضدّ القاضي بيطار المقدّمة من المدّعى عليه الوزير السابق يوسف فنيانوس.

الجدير ذكره هنا أنّ القاضي حبيب مزهر عُيّن عضواً في مجلس القضاء الأعلى في 12 تشرين الأوّل الفائت، ممثلاً للحصّة الشيعية، ومختارًا من "حزب الله" و"حركة أمل". كما أنّه كان من أشدّ المطالبين بإقالة البيطار في اجتماع المجلس الّذي عُقد بحضور القاضي بيطار وانتهى بتثبيت الأخير بموقعه.

وفي التفاصيل، تقدّم فنيانوس بطلب كفّ يد بيطار أمام الغرفة الثانية عشرة من محكمة الإستئناف المدنيّة في بيروت الّتي يرأسها القاضي نسيب إيليّا. وبعد أن رُفض طلبه، عاد وتقدّم بطلب ردّ آخر ضدّ القاضي نسيب إيليّا بهدف كفّ يده عن النّظر في طلب ردّ القاضي بيطار. المفلت أنّ فنيانوس قدّم طلب ردّ القاضي نسيب إيليّا أمام الغرفة التي يرأسها إيليّا نفسه، فما كان من إيليّا إلّا أن عرض تنحّيه من تلقاء نفسه، ورفع الملف للرّئيس الأوّل لمحاكم الإستئناف المدنيّة في بيروت، القاضي حبيب رزق الله، إذ لا يجوز للقاضي إيليّا أن ينظر بطلب ردّه الشخصي، ويكون الخصم والحكم في الوقت عينه.

وعلى ضوء ذلك كلّفّ الرئيس الأوّل رزق الله القاضي حبيب مزهر بترؤّس الغرفة الثانية عشرة ليحلّ مؤقّتًا مكان رئيسها القاضي إيليّا للنظر بطلب ردّ هذا الأخير حصرًا. وفورًا، خلط القاضي مزهر الملف المُكلّف به (المتعلّق بالقاضي ايليّا) ، بالملف غير المُكلّف به (تحقيقات القاضي البيطار)، وتصرّف وكأنّه باقٍ إلى الأبد في منصبه المؤقّت هذا الّذي تولّاه، تكرارًا، لغاية واحدة محدّدة.

مخالفة القاضي مزهر لم تكن ذات بعد واحد، فهو بالإضافة إلى تعدّيه على ملفّ قاضٍ آخر، تخطّى زملاءه في هيئة المحكمة معه وأصدر قرارًا قضائيًّا من دون عناء استشارتهم. كما تبرز مخالفة فادحة أخرى، ألا وهي طلبه الاطّلاع على ملفّ التحقيق الاستنطاقي بجريمة المرفأ (رقم 1/2020). فالفصل بدعوى ردّ القاضي إيليّا (أو حتى القاضي بيطار) لا تحتاج بالضرورة إلى الاطّلاع على مضمون التحقيق بجريمة المرفأ، إذ يمكن الإستناد في هذا الصدد فقط لإدلاءات الخصوم في دعوى الردّ واللائحة الجوابيّة الدفاعية عليها من القاضي المطلوب ردّه.

إذًا فطلب الاطّلاع على التحقيق الاستنطاقي مريب جدًّا خصوصًا وأنّ مزهر يعلم أنّ التحقيق سرّي ومحظّر قانونًا الاطّلاع عليه من غير القاضي المخوّل بالتحقيق فيه، وخصوصًا أيضًا أنّه يأتي بعد شهرين من مطالبة أمين عام حزب اللّه السيّد حسن نصراللّه القاضي بيطار بنشر "التحقيق الفنّي" ، فيما يفرض قانون أصول المحاكمات الجزائية السرّية التامة على مرحلة التحقيق (المادة 53)، وهي المرحلة التي تمرّ فيها جريمة تفجير المرفأ حاليًّا.

والحال أنّ تحقيق المرفأ الّذي يعتبره اللّبنانيّون، وعن حقّ، جريمة ارتكبتها الدّولة اللّبنانيّة بحقّهم، يجمع منذ أشهر خصومًا تقليديّين في حلف واحدٍ ضدّه. ففي سابقة قضائيّة أُخرى غير مرتبطة بالقاضي مزهر مباشرة، تمّت مواجهة القاضي بيطار بنحو 16 دعوى كفّ يد، تقدّم بها مدّعى عليهم من خلفيّات سياسيّة مختلفة: غازي زعيتر وعلي حسن خليل (حركة أمل)، نهاد المشنوق (تيّار المستقبل) و يوسف فنيانوس (تيّارالمردة).

وقد تمكنّت محاولات العرقلة المختلفة من المماطلة وكسب الوقت، ولكنّ المتّهمين ومحرّكيهم لم ينجحوا حتّى الآن بوضع حدٍّ لعمل القاضي بيطار، الّذي يتابع ملفّه بحرفيّة وشجاعة.