ماذا يحصل في التيّار؟ (2/2)

أضأنا في المقال السابق على أحدث جولة انشقاقات داخل التيّار الوطني الحرّ. يشكو المعترضون على أداء رئيس التيّار جبران باسيل من ما يرونه تفرّدًا في اتّخاذ القرارات، وحرصًا مبالغًا على التقرّب من الميسورين مادّيًا، وإعلاء شأنهم ومراكزهم حتّى ولو على حساب قياديّين معروفين بقربهم من قاعدة التيّار الشعبيّة. كما يقول المعترضون أنّ باسيل يحيط نفسه بمن يوافقه على كلّ قراراته ويبرّرها أمام الإعلام والمناصرين، أّيًّا تكن.

والحال أنّ الخلافات الداخليّة بين العونيّين بدأت بسرعة بعد عودة العماد ميشال عون من المنفى عام 2005. يومها اعترض عدد من قيادات التيّار على خياراته السياسيّة الجديدة، منهم مثلًا المسؤول الإعلامي السابق في التيّار، الياس الزغبي، أو القيادي المؤسّس فيه، عبد اللّه الخوري. استمرّت الخلافات لاحقًا، وخرج من التيّار وجوه معروفة، أشهرها اللّواء عصام أبو جمرة، رفيق درب الجنرال في الجيش والمنفى. وقد انسحب أبو جمرة من التيّار عام 2009، امّا لخلاف مع العماد ميشال عون على التوجّه السياسي، أو بعد أن يئس من إمكانيّة ترشيحه على مقعد نيابيّ رابح أو عودته إلى منصب نائب رئيس مجلس الوزراء. وظهّر انشقاق أبو جمرة الخلافات الداخليّة في التيّار، وهي تصاعدت بشكل ملموس بعد تعيين باسيل رئيسا له عام 2015.

وبشكل عام، الجذر السياسي للانشقاقات في التيّار ضعيف. غالبيّة انشقاقات المسؤولين والناشطين البارزين في التيّار لم تحصل بسبب تحالفات عون مع خصوم الماضي، بل إثر خلافات شخصيّة، وصراعات على السلطة، واستياء بعض الكوادر من انعدام الديموقراطيّة داخل تنظيمهم، وتجاهل نظامه الداخلي كلّيًّا كرمى لعيون صهر الجنرال، أو لعدم حصولهم على مناصب مهمّة في التيّار أو في الدّولة.

ومن أبرز المنشقّين عن التيّار نذكر (على سبيل المثال، لا الحصر): نعيم عون، بسّام الهاشم، أنطوان نصراللّه، أنطوان مخيبر، رمزي كنج، طوني حرب، زياد عبس، كمال اليازجي، أنطوان عبد النور، أنطوان قصاص، ميشال دو شَدَريفيان، طوني حدّاد، رولان خوري، وأخيرًا صهر الجنرال شامل روكز.

ولا تعني هذه الإنشقاقات المتكرّرة الأفراد المنشقّين وحسب، بل أيضًا مناصرين يتأثّرون بهم. الأكيد أنّها أثّرت سلبًا على أداء التيّار في الانتخابات الطالبيّة والنقابيّة. والسؤال الآن يتمحور حول قدرة التيّار على الاستمرار ككتلة وازنة في المجلس النيابي، على افتراض أنّ الانتخابات المقبلة حاصلة.