نحو مقاومة سلميّة شاملة

جان نمّور

تظهر القراءة المتأنّية للأحداث السياسيّة في الفترة الأخيرة أنّ المنظومة المتحكّمة مستمرّة بمسار التدمير الممنهج لجميع مؤسّسات الدولة اللبنانيّة، كان آخرها محاولة ضرب الجيش اللّبناني من خلال أحداث عين الرمّانة، وقبلها تفخيخ تحقيقات المرفأ، وضرب هيبة القضاء الّذي تجرّأ على إعلاء الصوت.

بالتزامن مع تدمير المؤسسات، شنّت المنظومة حربًا على اللّبنانيين كأفراد لإحكام القبضة الأمنيّة عليهم، وللقضاء على جميع أشكال المقاومة ونبض الحريّة عبر تصفية قادة المقاومة الثقافية من لقمان سليم الّذي رفع شعار "صفر خوف"، إلى سمير قصير الّذي رفع شعار "عسكر على مين؟"، مرورًا بمحمد شطح وباسل فليحان وجبران تويني... لتحقيق هدفها الأساسي المتمثل بتغيير هويّة لبنان الثقافيّة.

استكمالًا لما سبق، اعتمدت المنظومة وسائل أشدّ فتكًا بعد، عبر تجويع اللّبنانيين والتحكّم بلقمة عيشهم وحاجاتهم الأساسيّة، وترويعهم من خلال الأحداث الأمنيّة المتنقّلة، واستعمال السلاح لتطويعهم وإغراقهم بالظلاميّة، وتحضيرهم لقبول أفكار غريبة عنهم، أو بكل بساطة تهجيرهم واستبدالهم بمجموعات أخرى، أو قتلهم جماعة كما حصل في تفجير مرفأ بيروت.

هذا الواقع يفرض علينا إطلاق مقاومة سلميّة شاملة لكسر هذه القيود عنوانها السيادة كمدخل للإصلاح وبناء الدولة، والوقوف معًا بوجه الإحتلال وأدواته. لو تسقط بيروت أمام الظلاميّة، يخسر شرقي المتوسّط آخر درره اللّيبراليّة، بعد إزمير، والإسكندريّة. ولكنّ مدينتنا لن تسقط.

المفارقة هنا أنّ المنظومة ليس لديها فهم للهويّة اللّبنانيّة المفطورة على احترام الحريّة الفرديّة والتنوّع وحقّنا كلّنا، كأفراد وجماعات، بالتّمايز الحرّ عن محيطنا، وبعضنا عن بعض. هذا ما نحن عليه، والمحتلّ المستجدّ لن يستطيع أن يسرق هويّتنا منّا على الرغم من كلّ المحاولات.

نعم، إذًا، للمقاومة السمليّة والثقافيّة الشاملة، كلٌّ على طريقته،

لنقاوم الشموليّة بالتنوّع، والسلاح بالعمل السلمي المنظّم. لنقاوم جميع أشكال خطاب الكراهية، ولندرّب أنفسنا على المقاومة السلميّة والثقافيّة، لأنّ الإنتصار على الظلاميّة مشروط بتطوير أُطر سياسيّة ملائمة لمجتمع علّة وجوده التنوّع، والتعدديّة.

الإحتلال وأدواته أقوياء؟ ربّما. لبنان أقوى؟ أكيد. المستقبل له، ولنا، معه وفيه.