هشام بو ناصيف
ليس ضروريًّا أن يكون واحدنا عسكريتاريًّا من جماعة تمجيد جزمة الجيش للشعور بالمرارة من أخبار زيارة قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون إلى العاصمة الأميركيّة واشنطن. بالعادة، يأتي قادة الجيوش إلى الولايات المتّحدة لشراء الأسلحة المتطوّرة لعسكرهم، أو تأمين التدريب عليها. طموحنا لجيشنا أقلّ بكثير: أن نحصل على مئة مليون دولار تؤمّن لكلّ عسكري معاش مئة دولار يكفي أقلّه للوصول الى ثكنته. وإن صحّ ما يرشح من أخبار، فهي تعني أن بيننا وبين جوع عسكرنا عامل واحد: الشفقة الاميركيّة عليه، وعلينا.
طموحنا الآخر طبعًا أن ينشلنا صندوق النقد الدولي مّما نحن فيه. حزب اللّه أبلغ أنّه لا يمانع المفاوضات معه. نفترض أنّه لا يمانع أيضا زيارة قائد الجيش لواشنطن – أبواقه المعروفة سكتت عنها، أقلّه إلى الساعة. ولا يمانع الحزب طبعًا أن يتدخّل الرئيس الفرنسي ماكرون للضّغط باتّجاه بقاء الحكومة اللبنانيّة بعدما كادت المواقف الخليجيّة الأخيرة تطيح بها. بعد ردح من تأديب الإستعمار، وتمريغ أنف الكولونياليّة بالتراب، وتعليم المستكبرين دروسًا بالتواضع، الأمل بات معقودًا على القوّة المنتدبة السابقة كي لا يكتمل انهيارنا السياسي، والفراغ، والعزلة الدوليّة.
يحصل كلّ هذا مع أنّنا متخمون منذ عقود عزّة، وكرامة، و"هيهات منّا الذلّة". ناسنا "أشرف الناس". هؤلاء لم يربحوا ربحًا عاديًّا عام 2006، بل سجّلوا "نصرًا الهيًّا"، قبل أن يحتفلوا لاحقًا ب"اليوم المجيد من أيّام المقاومة" عام 2008. سنوات الهزيمة ولّت، وإن عاد العدوّ "عدنا". وعمومًا هو "أوهن من بيت العنكبوت"، فلا مشكلة أساسًا. من جهة أخرى، العهد "قوي"، ورئيسنا "جبل بعبدا". ظنّ العالم التافه أنّه يستطيع أن "يأخذ توقيعه" ولكنّه لم يفعل. ولا سحقه طبعًا. كلّ ما استطاع العالم المسكين فعله هو التفرّج مشدوهًا، وقد أسقط في يده، بينما عادت "حقوق المسيحيّين" لهم، حقًّا ينطح حقًّا.
منذ سنوات، نغرق بالكليشيه، والكيتش. الخطاب السياسي بلبنان تلوّث سمعي منظّم، واعتداء يوميّ على عقولنا. العصابة سرقت حيوات 220 من مواطنينا، ذات 4 آب، ومدّخرات شعب، ورغبته في العيش. لو تعطه بالمقابل أقلّه صمتها. لكلّ واحد منّا أن يختار ما يكرهه أكثر فيها. أنا اخترت من زمان: أبعد من إجرامها، وارتهانها للخارج، وتهافتها الأخلاقي، وتفاهتها الفكريّة، ما أمقته أوّلًا كم أنّها ثرثارة.