فؤاد مطران
جميعنا يعرف هتلر، ولا داعي للحديث عن عنصريّته ضدّ الشعب اليهودي... لا بل أنّ مصطلح العنصريّة غير كافٍ ليعبّر عن كراهيّة هذا الشخص لليهود.
لكن رغم ذلك، بعد ضمّ النمسا إلى ألمانيا النازيّة، منح هتلر حماية خاصة لليهودي إدوار بلوش الّذي تمكّن من الهرب لاحقًا ولم يلحقه أذى. فهذا الرّجل كان طبيب عائلة الزعيم النازي حين كان طفلًا، وقد عُرف برفقه على الفقراء وبالعناية الخاصة الّتي أولاها لوالدة هتلر الّتي شخّصت بمرض السرطان.
قد يكون هذا المثال الّذي ذكرته متطرّفًا في الحديث عن العلاقات بين الأفراد أو بين المجموعات أو بنظرة الأفراد إلى المجموعات الأخرى. لكن بإمكانه توضيح الفوارق على مستويات عدة.
فعند الحديث عن صيغة أفضل لإدارة تعايش المجموعات اللّبنانيّة، وخصوصًا لدى طرح الفدراليّة، عادةً ما يلجأ نقّادها إلى الحديث عن علاقات الأفراد الجيّدة من طوائف مختلفة على المستوى الشخصي لتغطية التوتّر الفاضح على مستوى الطوائف. فهل هذا كافٍ؟
لا أعتقد أنّه يوجد لبنانيًّا واحدًا لا تربطه علاقات صداقة، وفي معظم الأحيان تكون علاقات وثيقة وعميقة، مع لبنانيّين من مجموعات طائفيّة أخرى. كما لا يمكن التغاضي عن الزّيجات المختلطة النّاجحة في المجتمع اللبناني. لكنّ هذا الأمر ليس مستجدًّا على المجتمع اللّبناني، إلّا أنّه لم يمنع أن يكون تاريخ الوطن عبارة عن موجات توتر بين طوائفه، حتّى قبل إنشاء لبنان الكبير.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ سرديّة هذه العلاقات الجيّدة الّتي تربط الأفراد، تتشاركها معظم المجموعات الإثنية الّتي تقاتلت في العالم وليست ميزة تميّز الشعب اللبناني. إلّا أنّ هذه الإسقاطات غير كافية لفهم ديناميكيّة العلاقة بين المجموعات. فالطوائف مثلًا لا ترتبط ببعضها بروابط العاطفة والجنس الّتي هي أساس لبناء صداقة أو الدخول في زواج.
تجدر الإشارة مثلًا إلى حالة البوسنة والهرسك: قبل اندلاع الحرب الأهليّة في هذا البلد بعد تفكّك يوغوسلافيا، عاش البوسنيون والكروات والصرب بسلام إلى حدٍّ كبير، ووصلت نسبة الزيجات المختلطة بين هذه المجموعات إلى الثلث. لكنّ ذلك لم يجنّب هذه المجتمعات عشرات آلاف القتلى وعمليّات الإبادة والتّطهير العرقي وتهجير مئات آلاف السكّان من مناطقهم خلال النزاع الدامي.
اللّجوء إلى الأمثلة الفرديّة لدحض مطلب الفدرالية والقول إنّ العلاقات الخاصة كافية لإنكار الإختلافات بين الطوائف، لن يوصل إلّا لما شهدناه طيلة مئة عام: صداقات ممتازة على مستوى الفرد، وحروب وتوتّرات على مستوى المجتمع. وكلّ ما زادت حدّة التوتر ساءت العلاقات الفرديّة، بينما الهدف يكمن في إزالة هذه التوترات على الأصعدة كافة.
ليس المطلوب إغفال الشق الفردي كليًّا عند النّظر إلى طبيعة العلاقة بين المجموعات. بكلّ بساطة لا يجب أخذه كمعيار وحيد، من دون معايير أخرى قد تعطي توصيفًا أدق لفهم المجتمعات.