عن غزوة عين الرمّانة والقوّات والقوى البديلة (1/2)

هشام بو ناصيف

أن نقول أنّ الكاتب اللّامع حازم صاغيّة ليس قوّاتيًا تحصيلٌ حاصل. مع ذلك –أو ربّما، بسبب ذلك– جاء مقاله الأخير في الشرق الأوسط ("الخائن" سمير جعجع، الأحد 24 أكتوبر، 2021) كأفضل ما كتب عن رئيس القوّات مؤخّرًا. ذكّر صاغية بما يعرفه أي مراقب لسياسة لبنان، عنيت أنّ جعجع هو آخر عقبة أمام إطباق حزب اللّه التامّ على البلاد، وأنّ عنف الحملة على جعجع هو الوجه الآخر لرفض رئيس القوّات تقديم تنازل جوهري واحد للحزب. ذكّر صاغية أيضًا بأنّ جعجع أمضى سنواتٍ في السجن بخلاف سائر أبطال حرب لبنان، وأنّه أعاد بناء القوّات اللبنانيّة كحزب سياسي خالص، وأنّ خطابه لم يحرّض ضدّ المسلمين أو اللّاجئين، على عكس غريمه عون.

كلّ ذلك صحيح. ومع ذلك، تصرّ قوى طفت على السطح بعد 17 تشرين على تصوير جعجع والقوّات كمجرّد نسخة مسيحيّة عن حزب اللّه الشيعي. أمّا وأنّ للقوّات، كما للحزب، هويّة طائفيّة محدّدة، فلا بأس من حشرهما بالخانة نفسها. أن يشارك آلاف القوّاتيّين في 17 تشرين بينما يرسل نصر اللّه أنصاره لكسرها لا يشفع للقوّات. أن يتعرّض جعجع لمحاولة اغتيال في مقرّه، وأن يُذبح لقمان سليم، وأن يكون المشتبه به في الحالتين واحدٌ تفصيل. القوّات صنو الحزب، والعكس صحيح، والسلام.

غزوة عين الرمّانة ظهّرت مجدّدًا الخطاب المتهالك نفسه: جعجع ونصراللّه يحرّضان طائفيًّا، وهما شريكان في الجريمة. أداء القوّات "مدان تمامًا" كما كتبت إعلاميّة معروفة قبل أن تسحب تغريدتها لاحقًا. غيرها أدان القوّات من دون تفكير ومن دون اعتذار. ربّما كان المطلوب أن يدخل الهجوج والمجوج عين الرّمّانة برقيّه المعهود، فتُرشّ عليه الورود. أمّا وأنّهما لم تفعل، فعودة إلى منطق إدانة القوّات والحزب معًا، كأنّ قواتيّين هاجموا الضاحية لا العكس.

القوى البديلة في لبنان حاجة. إن كانت تريد أن تنضج وتنمو، فهذه معطيات بتصرّفها: 1) الميليشيا السابقة ليست كميليشيا صارت دولة داخل الدولة وضدّها. 2) منذ انتهت الحرب، الإحتكاكات بين عين الرمّانة والضاحية تحصل في عين الرمّانة. لا أحد منها (أي عين الرمّانة) يذهب للتنمّر في الضاحية. وهذا ليس تفصيلًا. 3) من يمارس الإغتيال السياسي بعد الحرب ليس كضحيّته. 4) أن يكون لحزبٍ هويّة طائفيّة محدّدة لا يعني بذاته شيئًا. كان للكتلة الوطنيّة أيّام ريمون إدّه هويّة طائفيّة واضحة. لتيّار جبران باسيل اليوم الهويّة نفسها. هل يعني ذلك أنّ باسيل يوازي العميد الراحل، لمجرّد أنّ كليهما رؤساء أحزاب "طائفيّة"؟

يمكن طرح العشرات من الأسئلة المشابهة. لا أعلم لماذا تغيب أجوبتها البديهيّة عن الحركات الشبابيّة الجديدة. ربّما هي الإيديولوجيا؛ أو الطائفيّة المضمرة؛ أو ولدنة فكريّة لا تهزّها أحداث ولو بحجم غزوة عين الرمّانة.