بخصوص محمّد رعد ومتظاهري جلّ الديب والأرجوان الفينيقي

هشام بو ناصيف

يختلف دارسو الإرهاب حول تعريفه. ولكنّهم يلتقون عمومًا على تحديد العناصر الآتية فيه: الإرهاب هو قيام جهة غير دولتيّة باستعمال العنف ضدّ مدنيّين لأهداف سياسيّة. أمّا وأنّ الشهيد رفيق الحريري لم يُقتل بحادث سير، وأمّا وأنّ الأمر عينه صحيح بالنسبة إلى عشرات اللّبنانيّين الّذين قضوا معه ذات يوم 14 شباط مشؤوم في العام 2005، وأمّا أيضًا أنّ سليم العيّاش لا ينتمي بحسب القضاء الدولي الّذي جرّمه إلى حزب الطاشناق مثلًا، فلا مفرّ من إبلاغ النائب محمد رعد بالخبر العاطل: حزبه فعلًا إرهابي، ومتظاهرو جلّ الديب الّذين جهروا بذلك، وقرّعهم رعد البارحة بالزراريّة، أصابوا كبد الحقيقة.

هل يتذكّر رعد أسماء تيري اندرسون، وبنيامين وير، وديفيد دودج، وميشال سورا، ومالكلوم كير؟ هؤلاء كانوا أكاديميّين وبحّاثة وصحافيّين ذنبهم أنّهم غربيّون بقوا في بيروت زمن الحرب. علّموا طلّابًا لبنانيّين بالأميركيّة، ووضعوا مؤلفّات لا يزال بعضها من مراجع دراسات الشرق الأوسط. ولكنّ انحيازهم لنا لم يحمهم. خطفهم "الجهاد الاسلامي" و "المستضعفون بالأرض"، وصفّوا بعضهم بوحشيّة. لعلّ محمد رعد نسي من هم "المستضعفون بالأرض". متظاهرو جلّ الديب لا يدينوا لرعد باعتذار لأنّهم لم ينسوا.

ولا هم نسوا – ولن ينسوا – جبران تويني وبيار الجميّل ووليد عيدو ومحمد شطح ووسام عيد ولقمان سليم، وسواهم من ضحايا العنف السياسي في لبنان. كان كلّ هؤلاء لبنانيّين وطنيّين، أي بالضرورة من معارضي استتباع لبنان لإيران. يعلم محمد رعد أنّ "العدوّ الصهيوني" لم يقتلهم. نعلم ذلك بدورنا، ويعلم رعد أنّنا نعلم. يبقى أن نضيف الآتي: نعلم أيضًا أنّ اليد المجرمة التي حصدتهم لا تستطيع أن تقتلنا كلّنا، ونعلم خصوصًا أنّ انتصارها علينا ليس حتميًّا.

نحن محكومون منذ سنوات بإطلالات محمد رعد كعقاب جماعيّ يزيد المشهد البائس بؤسًا. آخر تخرصّاته استعادة الكليشيه إيّاه في الزراريّة: المعترضون على سلاح حزب اللّه (اقرأ، المسيحيّون) يستعلون على الشيعة كـ"جالية إيرانيّة" في لبنان، بينما يرون أنفسهم من صدف "الأرجوان الفينيقيّ". يعني إمّا يجتاح رعاعٌ حيَّك وحياتَك، وتسكت؛ أو يكون دفاعك عن نفسك دليل عنصريّة فيك وعمالة وتَصَهيُن، وسائر المعزوفة. منطق المحروم محمّد رعد محرومٌ من المنطق. ولا عجب. ذلك أنّ الرداءة الفكريّة المعلوكة والمكرّرة أقصى ما يمكن لأحزاب كواتم الصوت إنتاجه. إلى جانب الخراب العميم طبعًا، ودماء الأحرار المشرورة في مدن لبنان، ونائب كالح الوجه، ليس أثقل علينا من وقع الضربات المتوالية سوى ظلّه.