لماذا نحن فدراليّون (11/23): بخصوص الطرح الفدرالي وسلاح حزب اللّه، أو أي سلاح غير شرعي آخر
أمّا وأنّ الزمن هو زمن إطباق حزب اللّه على لبنان، فلا يمكن التفكير بأيّ مشروع حلّ لبلادنا من دون أخذ هذا المعطى بالاعتبار. ثمّة ثلاث نقاط أساسيّة نرغب في توضيحها هنا:
أوّلًا، نقرّ في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ لبنان أنّ التفكير بتغيير النظام له محاذيره، نظرًا لسيطرة حزب اللّه على مقوّمات الدولة. كما نقول بصراحة ومن دون عقد إنّ التناقض المركزي اليوم في لبنان ليس بين من يؤيّد الفدراليّة ومن يعارضها. التناقض الأساسي في البلد هو بين من يؤيّد سلاح حزب اللّه، ومن يقول بقيام الدولة. مع قناعتنا التامّة بالفدراليّة، نحن على استعداد للتعاون مع كلّ من يؤيّد حصر السلاح بيد الدولة اللبنانيّة، ولو لم يكن مع الفدراليّة. استطرادًا: من يعارض حصر السلاح بيد الدولة اللبنانيّة ليس حليفًا لنا، ولو قال بالفدراليّة. نقف بوضوح ضدّ التفاوض مع حزب اللّه على شكل النظام المقبل، قبل تسليم سلاحه، لأنّ السياسة موازين قوى، ووفق الموازين الحاليّة، أي تغيير لشكل النظام يخدم الحزب، لا المصلحة اللبنانيّة. كما نقف بوضوح ضدّ السلاح الفلسطيني في المخيّمات، وأي سلاح خارج عن سيطرة الدولة اللبنانيّة. هذا لا يمنع من الإقرار أنّ هناك أزمة نظام حقيقيّة في لبنان، ولا بدّ من التفكير بالبديل. هذا البديل واضح بالنسبة لنا: حياد + فدراليّة. لا بدّ تاليًا من دراسة الإثنين والتفكير بكيفيّة مواءمتهما مع الوضع اللبناني. إن تغيّرت الظروف، وسُئلنا: ماذا تريدون يا لبنانيّين؟ من الضروري أن يكون عندنا أقلّه تصوّر لذلك. ولكنّ الأولويّة حاليًّا لمسألة السلاح غير الشرعي، ولا ينبغي أن تنقسم صفوف السياديّين بين مؤيد للفدراليّة ورافض لها، طالما أنّ السلاح موجود وموجّه إلى رؤوسنا جميعًا، كفدراليّين وكغير فدراليّين. نكرّر: حتّى تفرض الدولة سلطتها وحيدةً على أراضي لبنان، السياديّون حلفاؤنا، سواء أيّدوا الفدراليّة أم عارضوها.
ثانيًا، يزعم البعض أن حزب الله يريد الفدراليّة ضمنًا، وأنّنا نلعب لعبته من حيث ندري أو لا ندري عندما نقول بها. نزعم نحن بالمقابل أنّ حزب اللّه لا يريد الفدراليّة للأسباب الآتية: 1) من يطرح الفدراليّة يطرح معها الحياد. الأخير يعني، لو طبّق، إنهاء الاحتلال الإيراني بالواسطة للبنان وتحرير قرار بيروت من قبضة طهران عبر وكلائها المحليّين. من نافل القول إنّ هذا آخر ما يريده حزب اللّه. 2) الحزب يسيطر على السلطة المركزيّة في بيروت ولا يريد توزيع السلطة إلى المناطق، وهذا بالظبط طبعًا ما تفعله الفدراليّة. رُبّ واهمٍ يظنّ أنّ الحزب سيقبل بالفدراليّة لأنّها ستسمح له بالسيطرة على مناطقه. ينسى أصحاب هذا الطرح أنّ الحزب مسيطر على هذه المناطق أصلًا عبر الستاتيكو الحالي، وما يريده هو استمرار التحكّم بالآخرين وفق معادلة "ما لي هو لي، وما لكم لي ولكم". 3) عموم المطالبين بالفدراليّة مسيحيّون، وحزب اللّه لن يهديهم نصرًا ثمينًا يعزّز احتمالات بقائهم في لبنان. إستمرار الستاتيكو الحالي يعني، من ضمن ما يعنيه، إستمرار التراجع الديموغرافي المسيحي بسبب موجات الهجرة، وأيضًا لأنّ أبناء الطبقات الوسطى المسيحيّة المنهارة يمتنعون بأعداد متزايدة عن الزواج لعدم قدرتهم على تحمّل أعبائه. ولو وضعنا جانبًا النفاق والباطنيّة والإزدواجيّة التي تطبع خطاب الحزب، ما يبقى منه هو قوّة طائفيّة بامتياز. وإن كان مسؤولي حزب اللّه سياسيّين يحترفون تدوير الأمور والزوايا، فيكفي ملاجظة الكراهية الطائفيّة المخيفة التي تحرّك جمهوره على مواقع التواصل الإجتماعي، لفهم الخلفيّة العقديّة الحقيقيّة للحزب. ثمّ أنّ جوهر مشروع حزب اللّه يقوم على استتباع لبنان للوليّ الفقيه؛ وجوهر التوجّه المسيحي اللبناني تقليديًّا يقوم على رفض استتباع لبنان لأيّ محور إقليمي، دع عنك أن يكون قادته ملالي طهران. التلاقي التكتي بين نخب مسيحيّة متعطّشة للسلطة بأيّ ثمن وحزب اللّه لا يلغي التناقض العميق بين مشروع الحزب وما يصبو إليه عموم الجمهور اللبناني المسيحي. تاليًا، أي مشروع يشكّل خشبة خلاص للمكوّن اللبناني المسيحي مرفوض من حزب اللّه، والفدراليّة ليست استثناء. 4) التحوّل الفدرالي في لبنان لو حصل ونجح سيوحي فورًا بإمكان اعتماد الحلّ نفسه في سوريا. وهذا ما لا يريده نظام الأسد، بخلاف ما يظنّ الكثيرون. جوهر مشروع النخبة السوريّة الحاكمة يقوم على تطهير "سوريا المفيدة" إثنيّا (يعني حلب، حماه، حمص، دمشق، واللاذقيّة) من السنّة، وإحكام قبضة أمنيّة حديديّة على باقي المناطق. من يسعى لإبادة السنّة أو تهجيرهم في -ومن- سوريا لا يمكن أن يرضى بالفدراليّة فيها، لأنّ جوهر الفدراليّة هو الإعتراف بالتعدّد وتنظيمه، فيما جوهر حكم آل الأسد خنقه. التناقض بين المشروعين جذري، وما لا يريده الأسد في سوريا، لن يشجّعه في لبنان. لكلّ هذه الأسباب، ولسواها، حزب اللّه لا يريد الفدراليّة. من يظنّ أن العكس صحيح منفصل عن الواقع بشكل مؤسف، وكلّ الأمل ألّا ينطبق هذا التوصيف على أحد من الأصدقاء الفدراليّين في لبنان. طرح الفدراليّة اليوم شكل من أشكال الإشتباك السياسي مع حزب اللّه، لا تناغمًا معه بأيّ شكل من الأشكال.
ثالثًا، واستطرادًا للنقطة الثانية، مع أنّ الغاية الأساسيّة من المشروع الفدرالي حلّ المسألة اللبنانيّة على المدى الطويل، فلا ضير من أن تقدّم الفدراليّة أيضًا فائدة تكتيّة في الإشتباك الحالي مع حزب اللّه. المقصود هنا هو الآتي: لقد قدّم تحالف ميشال عون مع الحزب هديّة ثمينة للأخير عزّزت إطباقه على البلاد. لا أمل من تراجع عون عن تحالفه مع الحزب، لأنّه تورّط وتيّاره كثيرًا به. الأمل، بالمقابل، هو بتسريع تراجع شعبيّة ميشال عون بين الجمهور المسيحي. والحال أنّ هذا الجمهور توّاق عمومًا للفدراليّة. والحال، أيضًا، أنّ الجمهور العوني ليس استثناءً هنا، بالعكس تمامًا. استطرادًا، بقدر ما يظهر حزب اللّه كما هو عليه فعلًا، أي العقبة الأساس أمام المشروع الفدرالي في لبنان، والخصم الاولّ للمكوّن اللبناني المسيحي، بقدر ما يصبح تحالف ميشال عون –أو أي طرف مسيحي آخر– مع حزب اللّه مكلفًا بعد أكثر من الوجهة الشعبيّة. تكرارًا: ليس هذا السبب الأساس لاقتناع الفدراليّين بالفدراليّة. ولكن لا ضير به.
باختصار: الفدراليّة حلّ للمسألة اللبنانيّة على المدى البعيد، وتجذير للإشتباك مع حزب اللّه على المدى المباشر. وباختصار أيضًا: نحن سياديّون وحياديّون أوّلًا، وفدراليّون ثانيًا. لا الناحية الأولى من تفكيرنا السياسي ولا الثانية ستجعلنا نضيّع البوصلة بالنسبة إلى مسألة حزب اللّه.