بخصوص مقولة إنّ جيران لبنان لن يقبلوا بالفدراليّة فيه

لماذا نحن فدراليّون (12/23): بخصوص مقولة إنّ جيران لبنان لن يقبلوا بالفدراليّة فيه

عندما نقول إنّ مجتمعنا تعدّدي، كما التركيبة المجتمعيّة في بلجيكا أو سويسرا تعدديّة، وإن الحلّ هنا يمكن أن يكون فدراليًّا، كما كان هناك، نجابَه غالبًا بأنّ جيران بلجيكا وسويسرا ديموقراطيّات ليبراليّة مثل فرنسا وألمانيا، في حين أنّ المنظومة القيميّة للمحيط العربي المجاور لنا مختلفة تمامًا. ومع التسليم طبعًا بفارق الجوار بيننا وبين بلجيكا أو سويسرا، نرى أنّ التحجّج بالمحيط لرفض الحلّ الفدرالي للبنان غير مقنع للأسباب الآتية:

أوّلًا، للتذكير، جيران الفدراليّات الأوروبيّة لم يكونوا ليبراليّين وراقيين دومًا. في يوم ما، كانت ألمانيا النازيّة من جيران سويسرا، ولم يكن الاتّحاد السوفياتي بعيدًا عنها. ومع ذلك، تمكّن السويسريّون من التمسك بعمادي بلادهما، أي الفدراليّة والحياد، في خضمّ الحرب العالمية الثانية. لو يحسم اللبنانيّون أمورهم باتّجاه مشروع إنقاذي واحد، تضيق أمام النظامين السوري والإيراني فرص تخريب لبنان وضربه. وبمناسبة الحديث عن سويسرا: قبل أن تصبح البلاد المتقدّمة والمزدهرة التي نعرف، فرّقت بين شعوبها قرون من البغضاء والحروب الأهليّة على خلفيّة الكراهية الدينيّة والإثنيّة. تمكّن السويسريّون تدريجيًّا، ومن فوق بحور الدماء المسفوكة بينهم، من بناء هويّة وطنيّة جامعة، ومن تأطيرها عبر الكونفدراليّة ثمّ الفدراليّة. وفي هذا بدوره عِبَرٌ للبنان ومدعاة للمقارنة والتفكير.

ثانيًا، أي مشروع جيّد للبنان قدّمه الجوار يومًا، أو قبل به، كي ننتظر ما يريده لنا هذا الجوار ونقرّر العمل على أساسه؟ منذ كان لبنان، الأنظمة السوريّة المتعاقبة ما ضمرت له إلّا شرًّا؛ أمّا نظام الأسدين، الأب والابن، فقد سفك من دماء اللبنانيّن بحورًا. نعم، نظام الأسد لن يقبل بالفدراليّة في لبنان. هذا ليس سببًا للتخلّي عنها، بل سببًًا إضافيًّا للتمسّك بها. بوضوح تامّ: إن كانت مصلحة بلادنا بالفدراليّة، وهي كذلك، فلن ننتظر إذنًا من أحد كي نقول بالفدراليّة ونعمل من أجلها، وخصوصًا ليس من غلاة أعداء لبنان في دمشق. نعم، موازين القوى مهمّة. ونعم السياسة ريالبوليتيك. ولكن موازين القوى كانت إلى جانب القوّات الفلسطينيّة لا المقاومة اللبنانيّة عام 1975. ومع ذلك، قاوم اللبنانيّون الاحتلال الفلسطيني لبلادهم. لاحقًا، كانت موازين القوى مجدّدًا في صالح الاحتلال السوري، وقاومه اللبنانيّون كما قاوموا منّظّمة التحرير. المقصود هو الآتي: لم ننتظر بالماضي إذنًا من أحد كي نتصرّف وفق مقتضيات مصلحة لبنان؛ لن نفعل ذلك اليوم. الفدراليّة تخدم لبنان، كما كان طرد الإحتلالين الفلسطيني والسوري يخدمه بالأمس. تاليًا، سنناضل في سبيل الفدراليّة اليوم، كما ناضلنا في سبيل التحرير بالأمس. ما يريده الجيران منّا ولنا لا يحدّد سلفًا لنا مسار بلادنا. هذا تحدّده إرادة اللبنانيّين، أو أقلّه هكذا ينبغي، شريطة ألّا ييأسوا من بلادهم أيًّا كانت صعوبة الظروف الحالية.

ثالثًا، واستطرادًا للنقطة الثانية، موازين القوى متحرّكة. صحيح أنّها تعطي اليوم أعداء لبنان القدرة على تخريب مشاريع التعافي، بما فيها الفدراليّة. ولكنّهم لن يتمكنّوا منّا إلى ما لا نهاية. للتذكير: منظّمّة التحرير لم تكن تريد الرحيل باتّجاه تونس عام 1982؛ ولكنّها رحلت. وبشّار الأسد لم يكن راغبًا بسحب جيشه ذليلًا من لبنان عام 2005، ولكنّه فعل. استطرادًا: ليس كلّ ما يريده أعداؤنا لنا قدرًا لا مفرّ منه. ولا كلّ ما يرفضونه لنا محال أن يتحقّق، لمجرّد أنّهم عارضوه. الجوار يستطيع أن يعرقل الفدراليّة اليوم، صحيح؛ لن يستطيع بالضرورة منعها إلى الأبد. للتذكير أيضًا: في العام 2013، بدا لوهلة أنّ نظام بشّار الأسد اقترب من الانهيار، وهو كان كذلك فعلًا. بقاء النظام يومها لم يكن قدرًا لا مفرّ منه، بل صنعته ظروف محدّدة، يمكن أن تتغيّر في المستقبل. ولا بقاء النظام الإيراني اليوم قدرًا لا مفرّ منه الى الأبد، ولا أيضًا سلاح حزب اللّه في لبنان. هذا لا يعني أنّ الأمور ستتجّه وفق مصلحة لبنان حتمًا، وبالقريب العاجل؛ بل يعني أنّ الأمور لن تعاندنا بالضرورة، مهما فعلنا، وإلى الأبد. المهمّ أن نصمد، وأن نعمل قدر المستطاع من أجل لبنان، بقدر ما تسمح الظروف. المهمّ أيضًا أن يكون تصوّرنا واضحًا لما نريد، وأن نهيّئ تدريجيًّا له الظروف المناسبة. هذا يعني تفسير مشروعنا لأكبر عدد ممكن من اللبنانيّين، ومن صانعي القرار الدوليّين، ثمّ انتظار الظروف المناسبة للإنتقال من النظري إلى العملي. هذا بالظبط ما نعمل عليه، ومن أجله.

باختصار: نحن في لبنان الفدرالي لبنانيّون، نفكّر كلبنانيّين بمصلحة بلادنا. الحقائق الجيوبوليتيكيّة ليست غائبةً عن بالنا. ولكنّنا لا نظنّ أن الفدراليّة في لبنان مستحيلة فقط لأنّ بشّار الأسد وعلي خامنئي لا يرغبان فيها. نكرّر: لم يتمكّن أعداء بلادنا منّا دومًا؛ لن يتمكّنوا منّا إلى الأبد.

مواضيع ذات صلة