بخصوص أنّ الشعبويّة السياسيّة تنسف أساس الفدراليّة في بلبنان

لماذا نحن فدراليّون (14/23): بخصوص أنّ الشعبويّة السياسيّة تنسف أساس الفدراليّة في بلبنان

لنكن صريحين كفدراليّين مع أنفسنا أوّلًا، ومع الآخرين: الفدراليّة حلّ لمشاكل كثيرة في لبنان، وليست كذلك لمشاكل أخرى كغياب الاتّفاق على السياسات الخارجيّة، بين مؤيد لايران، وآخر وطني لبناني، أو بين موال للنظام السوري، وآخر معارض له، وهكذا. نعلم جميعًا، أو أقلّه ينبغي أن نعلم، ما يأتي: 1) هذا النوع من الإنقسامات في صميم معضلتنا الوطنيّة في لبنان. الحلّ هنا يقدمّه الحياد، لا الفدراليّة وحدها. 2) الهويّتان العابرتان للحدود السنيّة والشيعيّة أكثر ارتباطًا بقضايا المنطقة من هويّات مجتمعيّة أخرى، خصوصًا الهويّة المسيحيّة في جبل لبنان. استطرادًا: التغيير باتّجاه الحياد أصعب على اللبنانيّين المسلمين من اللبنانيّين المسيحيّن، باعتبار أنّ أقصى أماني هؤلاء هو فكّ الإرتباط ما أمكن مع محيط يرونه جلّابًا للرعب الخالص (نظام حافظ الاسد، نظام الخميني، مخابرات جمال عبد الناصر، إلخ)، والنكبات.

طيّب. بهدوء، وبالمنطق: إن كنت أطلب من فلان أن يخفّف نسبة تماهيه مع أنسباء له خارج الحدود، وأن يرفع بالمقابل من نسبة تماهيه معي كشريك له في الوطن، كيف لي أن أرفق طلبي هذا باللّعنات والشتائم، ثمّ أتوقّع منه قبوله؟ كيف يمكن لسنّي، مثلا، ألّا يطلب العون من السعوديّة أو تركيا، بينما تحيط به في لبنان بندقيّة شيعيّة مصوّبة على صدغه، وسنّوفوبيا مسيحيّة لا يكلّف العونيّون أنفسهم عناء إخفائها؟ الحال أنّ الوجه الآخر لإقناع الطوائف بالحياد هو إقناعها أيضًا أنّ لا خطر عليها في لبنان، وأنّها ليست بحاجة لظهير إقليمي أو حماية من أحد. استطرادًا: هناك علاقة عكسيّة بين حظوظ الحياد (والفدراليّة)، من جهة، وبين الإستقطاب الطائفي الداخلي اللّبناني من جهة أخرى. بمقدار ما يزداد الإستقطاب بين اللبنانيّين، بمقدار ما تنتفي حظوظ التقائهم حول فكرة حياد البلاد، وهو شرط خلاصها. استطرادًا أيضًا، وبوضوح: مع أنّ خطاب الحياد (والفدراليّة) يجذب إليه عددًا من جماعة حلف الأقليّات الّذين يقدّمون أنفسهم كغلاة المسيحيّين في لبنان، لا علاقة منطقيّة بين سياساتهم والفدراليّة. بالحقيقة، أن نقول أنّ غلاة السنّوفوب ليسوا عضدًا للحياد أو الفدراليّة صحيح، ولكن هناك ما هو صحيح بعد أكثر: هم مقتلهما في لبنان.

نكرّر: المشروع الوطني اللّبناني بدأ مارونيًّا حصرًا في القرن التاسع عشر. خرجت الفكرة تدريجيّا باتّجاه طوائف مسيحيّة غير مارونيّة، ثمّ ضمّت إليها، بعد مسار تاريخي طويل ومتعرّج، مسلمين. ثمّة مسلمون اليوم لبنانيّون لا فقط بمعنى أنّهم يحملون جواز سفر لبنانيًّا، بل بمعنى التماهي الشعوري مع لبنان، كبلد لهم، وكهويّة. لا عجب تاليًا، أن يلقى الحياد، بل أن تلقى الفدراليّة نفسها، قبولًا عند أعداد متزايدة من اللبنانيّين المسلمين. هؤلاء تعبوا، كما تعب المسيحيّون، من مآسي لبنان، ومن الحروب الدائمة. أي فائدة نجني، كفدراليّين، وكلبنانييّن حياديّين، من صدّهم؟ أي فائدة من التكرار أنّنا ندفع ضرائب أكثر منهم، أو أنّنا "أفضل"، أو أنّ مناطقنا "أجمل"؟ كشعبويّة وطريقة رخيصة لصناعة الزعامة والنجوم، لهذا الخطاب كلّ الفائدة طبعًا. بالمقابل، من زاوية الحياد، والفدراليّة، لا فائدة منه إطلاقًا. وعمومًا، هو ليس خطابنا. ولن يكون.

مواضيع ذات صلة