بخصوص مقولة إعطاء الطائف فرصة لأنّه لم يطبّق

لماذا نحن فدراليّون (17/23): بخصوص مقولة إعطاء الطائف فرصة لأنّه لم يطبّق

غالبًا ما يقال لنا إنّنا نستعجل الطرح الفدرالي باعتبار أنّ اتّفاق الطائف لم يطبّق بعد. يدعو أصحاب هذا المنطق إلى تطبيق الطائف على أن يتمّ التفكير بتغيير النظام بعدها، لو كان ذلك ضروريًّا. للطائف حسنة نقرّ بها هي أنّه أوقف الحرب في لبنان. ولكن مشكلتنا مع منطق "تطبيق الطائف أوّلًا" ثلاثيّة الأبعاد:

أوّلًا، أي اتّفاق يمكن تجاهل تطبيقه لعقود وكأنّه لم يكن يحمل بداخله بذور فنائه. ما لم يطبّق إلى اليوم قد لا يطبّق أبدًا.

ثانيًا، اتّفاق الطائف لا ينصّ على حياد لبنان. ماذا يعني عمليًّا ألّا نكون على حياد؟ يعني ذلك حكمًا استتباع لبنان لسياسة المحاور الإقليميّة، أي أن يبقى لبنان اليوم تابعًا لإيران، كما كان بالامس تابعًا لسوريا، وقبلها محكومًا من منظّمة التحرير، وهكذا. بمعنى آخر، بغياب الحياد، يبقى لبنان عالقًا في وظيفة يطيب للإقليم حصره بها: ساحة حروب بالوساطة. هذه الوظيفة خرابنا وأساس المأساة في بلادنا. أيّ "حلّ" لا يبدأ بالحياد هو كلّ شيء إلّا حلًّا.

ثالثًا، الطائف هو إعادة ترتيب لنظام الحكم المركزي، لا إعادة تفكير فيه. وماذا تعني "الدولة المركزيّة" في لبنان؟ عمليًّا، متى نزعنا عنها أوراق توت تتغطّى بها، هي تقاطع بين زعماء طوائف مرتبطين بالخارج، وكارتيلات اقتصاديّة. بمجرّد أن تتأزّم العلاقة إمّا بين الزعماء (بسبب التنافس على كعكة السلطة)، أو بين محرّكيهم بالخارج (بسبب التنافس على زعامة الإقليم)، تصاب الدولة المركزيّة عندنا بالشلل، فيحرم اللبنانيّون من أبسط مقوّمات الحياة، كالحقّ في الكهرباء والماء والتعليم الرسمي، الخ. قد لا تمنع الفدراليّة الخلاف "من فوق" بين القيادات الكبرى، ولكنّها بالحدّ الأدنى تسحب الأمور الحياتيّة اليوميّة من قبضة الحكومة المركزيّة إلى الحكومات المنتخبة محليًّا، حيث قدرة الناخب على المتابعة والمحاسبة أكبر.

رابعًا، أكثر الإصلاحات "جذريّة" في اتّفاق الطائف هو زيادة مجلس شيوخ إلى مؤسساتنا. أوّلًا، سيؤدّي ذلك إلى استقطاب طائفي فوري بين مسيحي (أورثوذوكسي) ومحمّدي (درزي) يطالبان به. الأولّ سيقول إنّه أكثر عددًا من الدروز، وإنّ الرئاسات الأربع ينبغي أن تنقسم مناصفة بين المسيحيّين والمسلمين. أمّا وأن رئاسة الحكومة والمجلس للملسمين، فطبيعي أن تكون رئاسة مجلس الشيوخ للمسيحيّين، مع الرئاسة. الدرزي سيشهر بطاقة الدور التأسيسي التاريخي، والشعور المزمن بالهامشيّة، ثمّ تبدأ دورة شدّ حبال طائفيّة جديدة في لبنان. وكيفما حسمت الجولة، ماذا بعدها؟ لنقل إنّ رئيس مجلس الشيوخ صار أرثوذوكسيًّا. أيّ خلاف بينه وبين رئاسة مجلس الوزاء سيصير خلافا سنيًّا–أورثوذوكسيًّا (فكّر في الخلاف الدائم على صلاحيّات محافظ بيروت في مواجهة صلاحيّات رئيس بلديّتها). أو يصبح رئيس مجلس الشيوخ درزيًّا، فيصير أيّ خلاف بينه وبين رئيس الجمهوريّة صراعًا درزيًّا–مارونيًّا.

عذرًا، ولكنّنا لا نرى في كلّ ذلك ما هو جدير بالحماسة له.

مواضيع ذات صلة