بخصوص أنّ المشكلة بالنظام لا فقط بالمنظومة

لماذا نحن فدراليّون (19/23): بخصوص أنّ المشكلة بالنظام لا فقط بالمنظومة

يَأخذ علينا البعض طرحنا الجذري بحجّة أنّ المشكلة بالمنظومة، لا بالنظام. بمعنى آخر: يحاجج البعض أنّ السياسيّين سيّئون، ولكنّ النّظام اللبناني مقبول عمومًا، أو لعلّه يحتاج لتعديلات معيّنة، من دون ضرورة لتغييره بالعمق. نختلف مع هذا المنطق للأسباب التالية:

1) الإنهيار الإقتصادي الذي نعيشه منذ العام 2019 ليس المأساة الوحيدة أو الأولى في تاريخنا المعاصر. من حرب 1958، إلى اتفاق القاهرة عام 1969، إلى اتفاق ملكارت عام 1973، إلى اندلاع الحرب عام 1975، إلى تهجير الجبل عام 1983، فحروب أمل–حزب اللّه، ثمّ حروب التحرير والإلغاء نهاية الثمانينات، ثمّ إطباق الإحتلال السوري علينا من العام 1990 حتى العام 2005، ثمّ استشهاد الرئيس رفيق الحريري والمرحلة الرهيبة المستمرّة منذ العام 2005، تاريخنا مأساة، عقب مأساة، تلي مأساة. ما الذي يجب أن يحصل كي يقتنع البعض أنّ النظام القائم فشل بتأمين الأمن والإستقرار للّبنانيّين؟ إجتياح من كوكب آخر، أم أن نُفنى عن بكرة أبينا؟ الحاجة للتغيير تعكس هول الأزمات المتناسلة التي نعيش. أمّا وأنّها وجوديّة، وتهدّد وجودنا كشعب في هذه المنطقة من العالم، فلا يمكن لردّنا أن يكون مجرّد جراحة تجميليّة طفيفة. جذريّة الردّ من هول المأساة.

2) المنظومة صنعت النظام، وهي بدورها صنيعته. ثمّة علاقة سبب/نتيجة بين النّظام والمنظومة، ومن يريد تغيير النتيجة ينبغي له أن يبدأ بسببها المؤسّس. ربّما يكون الرئيس الراحل الياس سركيس آخر مسؤول كبير استلم الحكم في لبنان من دون أن تحوم حوله شبهات الفساد أو العمالة للخارج أو التحريض الطائفي أو كلّ ما سبق مجتمعًا. سركيس انتُخب رئيسًا عام 1976 ونحن في العام 2021. أيعقل أنّنا ابتلينا بسيل يلي سيلًا آخرًا من السياسيّين السيّئين بدون انقطاع لمدّة 45 عامًا متواصلًا، بمحض المصادفة؟ السياسيّون هؤلاء لم يهبطوا علينا بالمظلّة بل صنعتهم آليّات إنتاج النخب الحاكمة في النظام اللبناني. من يريد نخبًا مختلفة، فعليه باجتراح آليّات مختلفة بدورها. من يريد نخبًا مختلفةً جذريًّا (فكريًّا وخصوصًا أخلاقيًّا)، فعليه بآليّات مختلفة جذريًّا أيضًا. الأمور بهذا الوضوح.

3) النظام اللبناني لم يكن يومًا ديكتاتوريّا على طريقة الأنظمة السائدة في العالم العربي، صحيح، ولكنّه يوزّع السلطة بين نخب حاكمة تتداولها من فوق، بينما نتفرّج نحن كلبنانيّين على ما يقرّره "أسيادنا"، من دون قدرة على التأثير بمجريات الأمور. هذه مصيبة. أمّا وأنّ "أسيادنا" خدم القوى الإقليميّة المختلفة المتصارعة فوق أرضنا، فالمصيبة أعظم. نريد حلًّا يأخذ السلطة من فوق ويقرّبها منّا، نحن اللبنانيّين العاديّين مواطني الجمهوريّة اللبنانيّة. بمعنى آخر: نريد ضرب مركزيّة السلطة في العاصمة، كمقدّمة لضرب النظام الأوليغارشي اللبناني نفسه. وتحصيل الحاصل طبعًا أنّنا نريد القطيعة الجذريّة مع وظيفة لبنان كساحة لتصريف النفوذ الإقليمي والصراعات على زعامة المنطقة. لهذا النظام الجديد إسم واضح: النظام الحيادو–فدرالي.

باختصار، المشكلة بالنظام والمنظومة معًا. احتقارنا للثانية لا يوازيه سوى رفضنا للأوّل، وحربنا على الإثنين معًا.

مواضيع ذات صلة