بخصوص المنازلة مع المنظومة في المناطق: الفدراليّة لفضح كذبة

لماذا نحن فدراليّون (21/23): بخصوص المنازلة مع المنظومة في المناطق: الفدراليّة لفضح كذبة

لنفكّر بعاصمتنا الثانية، طرابلس. عندها المرفأ والمصفاة والمطار القريب والمعرض والمنطقة الاقتصاديّة، أي عندها كلّ ما يلزم لتكون نمرًا إقتصاديًّا صغيرًا على ضفاف المتوسّط، ومع ذلك، هي من أفقر مدنه، إن لم تكن أفقرها على الإطلاق. كيف يبرّر زعماء طرابلس الأمر لناخبيهم؟ ببساطة، عبر رمي المسؤوليّة على زعماء الطوائف الأخرى. الأمر عينه صحيح بالنسبة إلى زعماء هذه الطوائف بدورهم. هو منطق "ما خلّونا نشتغل" الذي يكاد يكون مضحكًا، لولا أنّ نتائجه مأساويّة علينا. يرفع هذا المنطق المسؤوليّة عن كاهل النخبة الوضيعة الحاكمة، من جهة، ويسعّر الإستقطاب الطوائفي إذ تقتنع الجماعات أنّ سبب بؤسها جماعات أخرى. وفق هذه المعادلة، يربح السياسيّون ربحًا خالصًا، تمامًا كما أنّ خسارة المواطنين خالصةً بدورها.

تقدّم الفدراليّة تصوّرًا مختلفًا للحكم. تختصّ الحكومة المركزيّة وحسب بالدفاع والشؤون الخارجيّة والنقديّة. كلّ ما بقي من اختصاص الحكومات المحليّة، تحديدًا لجهة ما يهمّ المواطنين في حياتهم اليوميّة. يعني ذلك ما يلي: 1) أموال الضرائب التي تجبى محليّاً، يُنفَق جلّها محليًّا أيضًا. سيضع هذا الحكومات المحليّة أمام مسؤوليّة الحوكمة الرشيدة، من دون إمكانيّة التذرّع بالآخرين لو فشلت. إن شعر المواطن بالجبل، مثلًا، أنّ الضرائب تُؤخذ من جيبه مباشرةً، من دون أن تعطيه حكومة الجبل المحليّة بالمقابل فرص عمل وكهرباء وماء، فمن الصعب أن يحافظ على ولائه للقوى المحليّة التي خذلته. 2) قدرة المواطن على المحاسبة أكبر لأنّ التصويت محلّي لحكومات محليّة بدورها. ما قدرة مواطن سنّي في طرابلس، مثلًا، على التأثير في قرار وزير تريبة شيعي من الجنوب، تابع لحركة أمل أو حزب الله؟ لا شيء، بالحقيقة. بالمقابل، قدرة ناخب من طرابلس على التأثير على حكومة محليّة في طرابلس أكبر بكثير. الأمر عينه صحيح بالنسبة إلى كلّ المناطق والطوائف الأخرى.

باختصار: ما تفعله الفدراليّة عبر حكومات المناطق هو سحب قدرة النخب على رمي مسؤوليّة فشلها على بعضها البعض، مع تعزيز قدرة الناخب على محاسبتها، لو فشلت. ليست المسألة محاججة نظريّة فقط. لننظر إلى الدول الفدراليّة في العالم، وأقربها جغرافيًّا إلينا الإمارات. بكلّ صراحة ووضوح: أحوالها تبرّر تفاؤلنا بالنظام الفدرالي، وأملنا فيه. الإمبيريقيا دومًا أقوى من إسقطات الإيديولوجيا وغوغائها.

مواضيع ذات صلة