لماذا نحن فدراليّون (22/23): بخصوص مسألة الاقليّات في المناطق اللبنانيّة
مسألة الاقليّات الطائفيّة في مناطق لبنانيّة ذات صبغة غالبة (مثلًا، شيعة كسروان–جبيل، سنّة العرقوب، مسيحيّو الأطراف في القبيّات أو دبل أو عين إبل) تُطرح غالبًا، وعن خطأ، بصفتها مقتلًا للفدراليّة. غالبًا ما نواجَه بأسئلة من نوع: "ماذا ستفعلون بشيعة جبيل؟" أو "إلى أين يذهب مسيحيّو عين إبل لو صار لبنان فدراليًّا؟". بالحقيقة، أجوبتنا بسيطة جدًّا: لن "نفعل" شيئًا بأحد، ولن "تذهب" أيّ أقليّة إلى أيّ مكان. كلّ سكّان الدولة الفدرالية مواطنون فيها، ولا أحد يستطيع أن يجبر مواطنًا على الإقامة حيث لا يريد، أو العكس. الفدراليّة لا تستبطن التطهير العرقي بخلاف ما يظنّ البعض عن جهل، أو يقوله البعض الآخر عن سوء نيّة. بالحقيقة، للأقليّات الطائفيّة في الدولة الفدراليّة ضمانات عديدة منها:
1) الدستور الفدرالي فوق دستور الولايات. أمّا وأنّ الدستور يضمن الحقوق الأساسيّة (حريّة التعبير أو المعتقد، مثلًا)، فلا يمكن لدستور الولايات أن يهدّدها. يعني لا يمكن دستوريًّا لحكومة جبيل مثلًا أن تمنع الشيعة من بناء حسينيّات، أو لحكومة عكّار أن تمنع القبيّات من ترميم الكنائس، الخ. 2) التمثيل السياسي مكفول في السلطة التشريعيّة الفدراليّة للجميع، بغضّ النظر عن التوزّع الجغرافي. يعني لنقل أنّ للموارنة 34 نائبًا في المجلس النيابي الفدرالي. يصوّت كلّ الموارنة لهم بغضّ النظر عن توزيعهم الجغرافي. بهذا لا فرق بين ماروني في القبيّات أو رميش وآخر في كسروان أو المتن. الأمر صحيح بالنسبة إلى الطوائف الأخرى. 3) صلاحيّة البلديّات واسعة. يعطيها هذا مجالًا واسعًا لإدارة أمورها الذاتيّة من دون أن تتمكن الحكومات المحليّة من الإملاء عليها أمورًا ليست من اختصاص هذه الحكومات. يعني لدرجة بعيدة، ستُحكم القبيّات والقليعة ودير الأحمر، إلخ، من بلديّاتها المنتخبة ديموقراطيًّا. 4) لكلّ لبناني الحقّ باتّباع الأحوال الشخصيّة الخاصّة بطائفته، أو بقانون علماني للأحوال الشخصيّة، بغضّ النظر عن مكان إقامته، أي سواء كان في الاطراف أو المركز. 5) يمكن خلق وسيط الجمهوريّة أي "الأمبودزمان" للتدقيق في شكاوى من يشعر بافتئات على حقّه ومناصرته إن لزم الامر. هذه الوظيفة شائعة في الدول الفدراليّة حيث يتحرّك الأمبودزمان محليًّا كممثّل للسلطة المركزيّة لمناصرة مواطنين يتظلّمون من أعمال سلطات حكوميّة محليّة أو شركات أو بلديّات، ويسعى لحلّها عبر التوسط بين المتنازعين.
كلّ ما سبق ضمانات قانونيّة، ولكن ثمّة ضمانة إضافيّة لعلّها الأهمّ: على افتراض حيّدنا لبنان (من جهة)، وحسّنّا قدرة المواطن على المحاسبة من خلال توزيع السلطة في المناطق بدل حصرها بالعاصمة (من جهة ثانية)، وتمكنّا من تحفيز الإقتصادات المحليّة بشكل أفضل من خلال الإدارة الذاتية للأمور التنمويّة والإقتصاديّة (من جهة ثالثة)، يمكن أن ينشأ بعد عقد أو عقدين مجتمع الرخاء والإستقرار. المسألة الطائفيّة تفقد الكثير من حدّتها بمجرّد أن نرفع التدخلّات الخارجيّة عن البلد، ونحسّن الإقتصاد ونوعيّة النخبة الحاكمة. لن يشنّ أحد حربًا لمنع أحد آخر من احتساء الجعة في دير الأحمر... يعني يمكن أن نتخيّل، مع الوقت، نوعًا من استرخاء في العلاقات بين الطوائف بدل الإستقطاب الحالي. قد تكون هذه الضمانة الحقيقيّة، وللجميع.