فدراليّون؟ أكيد. وقبل ذلك، حياديّون. وقبل ذلك أو أيّ شيء آخر، سياديّون. مفهومنا للعمل العام ينطلق من الإلتزام بالسيادة والحياد والفدراليّة، بهذا الترتيب. السياديّون حلفاؤنا، حتّى إذا لم يقتنعوا بالطرح الفدرالي. المتهاودون بالسيادة ليسوا كذلك، بغضّ النظر عن آرائهم السياسيّة الأخرى. الأمور عندنا بهذا الوضوح – لا مكان للرماديّة في هذه المسألة تحديدًا.
والحال أنّ لبنان اليوم دولة فاقدة السيادة تدور في فلك إيران، تمامًا كما كانت دول أوروبا الشرقيّة أجرامًا في فلك الاتحاد السوفياتي السابق. هل كان بإمكان النظام الشيوعي في ألمانيا الشرقيّة أن يقرّر(مثلًا) الانفتاح على الغرب بمعزل عن إرادة موسكو؟ إن كان الجواب أن لا، وهو كذلك، فالأمر عينه صحيح على خطّ التبعيّة الذيليّة التي باتت تشدّ بيروت إلى طهران.
ماذا يعني ذلك عمليًّا؟ قبل كلّ شيء آخر، يعني أنّ الإصلاح ليس ممكنًا في لبنان قبل استعادة سيادتنا الوطنيّة. الإصلاح بالنتيجة ليس مجموعة قرارات تقنيّة نهتدي اليها، فتسير الأمور على ما يرام. الإصلاح يفترض قرارت سياسيّة كبرى كإعادة النظر بمؤسساتنا الدستوريّة وطرق إنتاج النخبة الحاكمة، حصر السلاح بيد الدولة، العودة الى علاقات طبيعيّة مع عمقنا الإقتصادي في الخليج العربي، ومع الديموقراطيّات الليبراليّة الغربيّة الصديقة. كما يفترض الإصلاح الإبتعاد عن الإستقطاب الطائفي في لبنان الذي لم يخدم مرّة سوى قوى المحيط الطامعة به والكارهة له أيضًا.
من يظنّ أنّ بالإمكان تحقيق هذا النوع من التحوّلات الكبرى في بلاد فاقدة لقرارها الوطني يعيش على كوكب آخر.
وعلى هذا الكوكب بالتحديد تتحرّك فئات ثلاث اليوم: 1) هناك فدراليّون بخلفيّة أقلويّة، بات واضحًا أنّ مسألة حزب اللّه لا تحرّكهم. الثابت عندهم كره مَرَضي للسنّة، ومفهومهم للفدراليّة ينطلق من حلف الاقليّات. من نافل القول إنّ مفهومنا للفدراليّة في موقع النقيض. وبوضوح أكثر: أن نقول إنّنا لسنا مقتنعين بالسنّوفوبيا، تحصيل حاصل. بالحقيقة، نحن نحتقرها. 2) ثمّة أيضًا ثوّار بخلفيّات "يسارو"–طائفيّة. أمّا وأنّ الخطاب السيادي اللبناني كان سائدًا تقليديًّا في الأوساط المسيحيّة، وأمّا وأنّ الرفاق فطروا على كراهيّة هذه الأوساط تحديدًا، فالمطالبة بالسيادة لا تعنيهم ولو قضى لبنان. 3) أخيرًا، هناك كوكبة من الوصوليّين التكنوقراط الّذين يقدّمون مع كلّ إطلالة جديدة أوراق اعتمادهم لأهل الحلّ والربط، حكّام لبنان الحقيقيّين. "الواقعيّة" التي ينادي بها هؤلاء هي الإسم الحركي للإذعان لإيران مقابل فتات مناصب في دولة متهالكة.
بوجه هذه الفئات الثلاث، وأيضًا ضدّها، الخطاب السيادي هو البوصلة. السيادة هي الأساس. من يخطئ هنا، يخطئ بكلّ شيء لاحق. لذلك، نكرّر: نحن مع السيادة، والحياد، والفدراليّة، بهذا الترتيب. ليطمئنّ أصدقاؤنا السياديّون، ولو لم يقتنعوا بالفدراليّة: أولويّتنا واضحة، والبوصلة لن تضيع.
من جهة ثانية، لسنا مستعجلين للوصول إلى السلطة. لن نضحّي بأفكارنا من أجلها. الأولويّة اليوم هي لبناء تنظيم لبناني سيادي محايد وفدرالي. لو أخذ بناء التنظيم سنوات، فليكن. ندخل الحلبة بتوقيتنا، وبعناوين واضحة. قابليّتنا للمساومة على هذه العناوين (السيادة والحياد والفدراليّة) معدومة. نعلم طبعًا أنّ الوقت ضاغط وأنّ الاستحقاقات داهمة. نعلم خصوصًا أنّ شعبنا يئنّ من وجع الأزمة الإقتصاديّة–الإجتماعيّة. نحن مع شعبنا، وفق إمكانيّاتنا، بالأفعال لا الأقوال فقط. ولأنّنا مع شعبنا، نفكّر بجذر الأزمة الحاليّة، وبعقد سياسي-إجتماعي بين مواطنين، من تحت، لا بتسويات عابرة بين زعامات، من فوق.