الفدراليّة وزعامات الموارنة

في خطاب شهير لبشير الجميّل عام 1978، قال إنّ صيغة 1943 قد ماتت ودُفنت وقد "وضعنا حرّاسًا على قبرها كي لا تقوم". كان الطرح راديكاليًّا، ولم يكن سرًّا أنّ البديل الذي فكّر فيه أقطاب الشرقيّة آنذاك كان ضربًا من ضروب الفدراليّة. ولكنّ بشيرًا استشهد واستمرّت الصيغة، ومعها آلام لبنان.

بعد بشير الجميّل، قال سمير جعجع أيضًا بالفدراليّة. ولكنّ خطاب الفدراليّة في القوّات تراجع بعد العام 2005. دعا سامي الجميّل بدوره للفدراليّة في مطلع حياته السياسيّة. ثمّ اختفى خطاب الفدراليّة في الكتائب.

ليس الهدف ممّا سبق المزايدة على أحد. نحترم حقّ الجميع بتغيير رأيهم بخصوص الفدراليّة أو سواها. والأهمّ أنّنا نؤمن بوحدة كلّ القوى السياديّة في مواجهة السلاح غير الشرعي ومشاريع الهيمنة على لبنان، وسنسير بوحي هذا الهدف. قلنا ونكرّر: كلّ السيادييّن حلفاؤنا ولو غير فدراليّين. القصد من هذه الحلقة توضيح ما يأتي: واحدة من مشاكل الفدراليّة في لبنان هي أنّ التلويح بها موسمي. بشكل عام، يبدأ زعماء الموارنة مساراتهم "على اليمين": عندما يكون الزمن زمن بناء القاعدة الشعبيّة وتثبيت الموقع في مطلع الحياة السياسيّة، يجري الحديث سهلًا عن الفدراليّة، وعمّا بعد بعدها أحيانًا. بالمقابل، بعد تثبيت الزعامة المارونيّة، يأتي دور التفكير برئاسة الجمهوريّة. هنا يختفي خطاب الفدراليّة، ويحين موعد إعادة اكتشاف جاذبيّة الصيغة، وجمال التسوية مع زعامات المسلمين.

نحن عالقون منذ عقود في هذه المعادلة المستحيلة: صيغة مركزيّة فاشلة؛ طرح فدرالي تكتيكي لا استراتيجي. الجمود الناتج عن هذه المعادلة قاتل، وأوضاعنا المزرية من نتائج هذا الجمود.

قلنا مرارًا إنّ ما يحرّكنا هو معادلة: حياد + فدراليّة. لا هذا الطرح جديد ولا ذاك. ولكنّنا نفكّر بهما وفق منطلقات نزعم أنّها غير كلاسيكيّة. هذه المنطلقات هي الآتية:

1) لا نريد الفدراليّة طرحًا من فوق، بل مسارًا ينطلق من تحت. نتعمّد ألّا يكون بين حركتنا "أقطاب" أو "زعماء" ولا حتّى مشاريع زعماء. نحن ناشطون مقتنعون بفكرة نرى فيها خير بلادنا. سنسعى لتفسير الفكرة كما نفهمها لأكبر عدد ممكن من مواطنينا ولحشد الدعم لها بينهم، بدءًا بالعاملين الذهنيّين.

2) أمّا وأنّ معادلة حياد + فدراليّة تخدم كلّ اللبنانيّين، فالأداة التي نعمل على بنائها ينبغي أن تكون مفتوحة لكلّ مواطنينا أيضًا. المسلمون الّذين نفكّر فيهم، هم عوامهم، لا الزعماء. يهمّنا موقف زعماء المسلمين من الفدراليّة بقدر ما يهمّنا موقف زعماء المسيحيّين منها –أي أنّه لا يهمّنا إطلاقًا.

3) خلفيّة طرحنا الفدرالي هو انتماؤنا المزدوج للحظتين مركزيتين في تاريخ لبنان المعاصر: 14 آذار، و17 تشرين. في اللحظتين، طفت إلى السطح هويّة لبنانيّة جامعة لا تخطئها عين. نطرح الفدراليّة بهذه الخلفيّة، واستكمالًا لحركة اللبنانيّين المعترضة على النخب الوضيعة الحاكمة. في 14 آذار جاهر اللبنانيّون برفض الإحتلال السوري، وبطلب السيادة. في 17 تشرين، جاهروا برفضهم لمنظومة الفساد والنهب المنظّم للبلاد. كلّ هذا ضروري، بل حيوي. ولكن، لا يكفي أن نقول لا. بعد أن نقول لا لما لا نريد، ينبغي أن نوضح ما نريد. بمعنى آخر، نكمل حيث توقّفت 17 تشرين، وكاستمرار لها، لا كانحياز ضدّها، لأنّ من ضدّها، هو ضدّ شعب لبنان.

مواضيع ذات صلة