بخصوص مقولة إنّ الفدراليّة لا تحلّ مشكلة العنف داخل الطوائف

واحدة من الاعتراضات على التفكير الفدرالي أنّ العنف في لبنان يندلع أيضًا داخل الطوائف، لا فقط بين الطائفة والأخرى. تاليًا، وفق أصحاب هذا المنطق، حتّى لو وجدت الفدراليّة حلّا للمشكلة الثانية، أي العنف بين الطوائف، فهي لن تحلّ بالضرورة المشكة الأولى، أي العنف داخل الطوائف. ردّنا هنا هو ما يأتي:

أوّلًا، عندما نفكّر في العنف داخل الطوائف في تاريخنا المعاصر، نفكّر خصوصًا بالصراع الشيعي–الشيعي بين أمل وحزب اللّه، والمسيحي–المسيحي بين القوّات اللبنانيّة ووحدات الجيش اللبناني الموالية للعماد عون، أي ما اصطلح على تسميته بحرب الإلغاء. هذه المواجهات، على قساوتها، لم تتسبّب بالحرب اللبنانيّة التي كانت سبقتها بسنوات. ما تسبّب بهذا الانهيار عام 1975 هو خلاف بين الطوائف، لا داخلها. أصل الشرّ، إذًا، هو الاستقطاب بين اللبنانيّين على قاعدة طائفيّة (مسيحي/مسلم؛ شيعي/سنّي؛ ماروني/درزي)، لا الخلافات داخل الطوائف ذاتها. تاليًا، إذا تمكنّا من حلّ المشكلة الأصل (أي الخلاف بين الطوائف)، نكون سهّلنا حلّ المشكلة الفرع (أي الخلاف داخل الطوائف). بهذا المعنى، تقدّم الفدراليّة حلّا للمشكلة الأساس في لبنان، ولو لم تقدّم حلّا لكلّ مشكلة فيه.

ثانيًا، واستطرادًا، الصراع داخل الطوائف سياسي وليس أهليًّا. صحيح أنّه يمكن أن يأخذ طابعًا حادًّا وعنفيًّا، ولكنّه يبقى مع ذلك صدامًا بين زعماء ينتهي بنهايتهم. لقد تقاتل بشير الجميّل وداني شمعون، وكان صراعهما دمويًّا في الثمانينات. أي تبعات لهذا الصراع اليوم بعد ضمور زعامتي آل الجميّل وآل شمعون؟ بالمقابل، ميراث القرن التاسع عشر الدموي بين الموارنة والدروز لا يزال حيًّا في الذاكرة الجماعيّة الى اليوم. ثمّ أنّ الصراع داخل الطوائف لا ينتج تطهيرًا عرقيّا؛ الأمر عينه ليس صحيحًا بالنسبة إلى الصراع بين الطوائف. ليس القصد من هذا التخفيف من أهميّة الصراع على السلطة، والعنف داخل الجماعات؛ ولكن، تكرارًا، أساس الشرّ يبقى الصراع بين الطوائف لا داخلها.

ثالثًا، الفدراليّة لا تنفي وجود دولة مركزيّة فاعلة. أكثر من ذلك: لا يمكن أساسًا بناء دولة فدراليّة بغياب الدولة المركزيّة. لنفترض أنّ خلافًا وقع داخل الكانتونات المكوّنة للدولة الفدراليّة، ولنفترض أيضًا أنّ هذا الخلاف اتّخذ طابعًا عنفيًّا، ولنفترض أخيرًا أنّ السلطات داخل الكانتونات عجزت عن وقف العنف، أو أنّها توّرطت به. لا شيء يمنع السلطات المركزيّة من حسم الموقف وفرض الأمن عبر القوّات الموضوعة بتصرّفها. المكوّنات الفدراليّة تبقى، في آخر المطاف، جزءًا من بلاد واحدة ذات سيادة غير منقوصة، ولا تملك سيادة خاصّة بها. لا يمكن للكانتونات رفض وجود جيش البلاد فيها أو منعه من فرض الأمن متّى استدعت الأمور ذلك.

مواضيع ذات صلة