ملخّص مانيفستو لبنان الفدرالي

1. الأزمة في لبنان أزمة نظام لا أزمة منظومة وحسب. أثبتت التجربة اللبنانيّة أنّ الحكم المركزي فشل بإدارة التعدديّة المجتمعيّة، وحماية السيادة الوطنيّة، ومنع الاقتتال الأهلي، فلماذا التمسّك به؟ مصلحة الإنسان هي الأساس، لا النصوص الجامدة أو الإيديولوجيّات الخشبيّة. ولو عجز نظام سياسي – دستوري عن تحقيق هذه المصلحة، فلا بدّ من تغييره.

2. التمسّك بنظام اتّفاق الطائف بحجّة أنّه لم يُعطَ إلى اليوم فرصة التطبيق غير مقنع، وذلك لأسباب عديدة منها: أوّلًا، أيّ اتّفاق يمكن تجاهل تطبيقه لعقود كأنّه لم يكن يحمل بداخله بذور فنائه. ما لم يُطبَّق إلى اليوم قد لا يطبّق أبدًا. ثانيًا، اتّفاق الطائف لا ينصّ على حياد لبنان؛ والحياد شرط خلاصنا الشارط. ثالثًا، أكثر الاصلاحات "جذريّة" في اتّفاق الطائف هي زيادة مجلس شيوخ إلى مؤسّساتنا، ولن يؤدّي ذلك إلّا إلى تعزيز التخبّط في الصلاحيّات الدستوريّة بينها. نسجّل للطائف أنّه أنهى الحرب اللبنانيّة. ولكنّه بالنتيجة ليس سوى تعديل على صيغة 1943، فيما المطلوب إعادة النظر بجذرها.

3. الطوائف اللبنانيّة حقائق مجتمعيّة ليست سيّئة أو جيّدة بذاتها. هي معطى موضوعي لن يختفي بسحر ساحر. تاليًا، هويّاتنا كلبنانيّين مركّبة: نحن موارنة – لبنانيّون، أو سنّة – لبنانيّون، أو دروز – لبنانيّون، إلخ، كما يعيش سوانا كأفريقيّين – أميركيّين، أو آسيويّين – أميركيّين في الولايات المتّحدة؛ أو فرنكوفون – كنديّين في كندا، مثلًا. ينبغي تغيير نظامنا ليتلاءم مع مجتمعنا، لا العكس. شعار "إلغاء الطائفيّة السياسيّة" واهم بالحدّ الأفضل، ويسعى وراء الغلبة والقهر بالحدّ الأسوأ.

4. هويّة الانسان جزء من شخصيّته عزيز عليه. لا يمكن لكُرديّ في العراق مثلًا أن يفرح بسياسات التعريب. ولا يقبل مسيحي قبطي في مصر الإسلام دينًا للدولة إلّا على مضض. كما لن يصفّق مسلم في الصين لسياسات الحزب الشيوعي الصيني الذي يسعى إلى إعادة تشكيل هويّة الصينيّين المسلمين وفق ما يراه هو مناسبًا.

5. أساسًا، لا حاجة لإلغاء الهوية الطائفيّة للوصول إلى دولة القانون. كندا وبلجيكا دولتان علمانيّتان وعصريّتان تحتويان على مكوّنات طائفيّة تشكّلهما، وهما دولتا قانون في الوقت عينه. لقد حافظ البَلَدان على هويّات مكوّناتهما المجتمعيّة ورسما حدود الولايات الفدراليّة الجغرافيّة على أساس الهويّات الطائفيّة والقوميّة؛ حتّى الأحزاب في بلجيكا طائفيّة بامتياز، ومع ذلك يسود القانون في هذه الدولة الفدراليّة.

6. بعض فوائد الفدراليّة: تحرير العلاقات بين الطوائف من ضغط التحوّلات الديموغرافيّة، وتاليًا، التخفيف من التوتّر والاحتقان بينها؛ فصل الحاجات اليوميّة للمواطنين (التي تديرها الحكومات المحليّة في الولايات الفدراليّة)، عن الأزمات السياسيّة الكبرى (في المركز)؛ السماح للتعدديّة بالتعبير عن نفسها بشكل طبيعي (مثلًا، يمكن السماح بالزواج المدني في بعض المناطق، دون سواها، حسب ما يقرّره الناخبون المحليّون عبر البرلمانات المحليّة)؛ تقوية قدرة الناخبين على محاسبة النخبة بفضل انتقال السلطة في الشؤون المعيشيّة من المركز إلى الولايات الفدراليّة؛ صرف أموال الضرائب حيث تُجبى ما يقلّص التهرّب الضريبي، ويعزّز القدرة على تلبية الحاجات المحليّة بسرعة ومن دون العودة إلى المركز. وبهذا لن تعود المناطق الفدراليّة بحاجة لانتظار المشاريع الآتية من السلطة المركزيّة لتنفَّذ عندها.

7. الفدراليّة نقيض التقسيم ولا تتعارض مع وحدة لبنان. ليس صدفة أن تتبنّى المجتمعات التعدديّة المستقرّة في العالم الفدراليّة؛ وليس صدفة أيضًا أن يكون سعي الأقليّات للانفصال هو البديل عن الرفض الأكثري للفدراليّة (كما كان الحال في الهند/باكستان، مثلًا؛ أو في السودان/جنوب السودان). كما لا تستبطن الفدراليّة أيّ دعوة للتطهير العرقي. حقوق الأقليّات الطائفيّة في المناطق المختلفة مضمونة بالدستور، وكلّ لبناني مواطن على أراضي الجمهوريّة يتساوى بالحقوق والواجبات مع سائر مواطنيه أينما وجدوا.

8. الفدراليّة لا تفيد مكوّن لبناني، دون الآخر، وهي تخدم نموّ طرابلس وعكّار وبعلبك – الهرمل مثلًا، أكثير بكثير من النظام المركزي. أهل هذه المناطق يستفيدون من الفدراليّة مثل سواهم، وربّما أكثر.

9. لا تناقض بين الفدرالية والعلمنة (كندا وبلجيكا وسويسرا خير دليل على ذلك). الفدراليّة والعلمنة يتكاملان ولسنا بحاجة إلى الاختيار بينهما.

10. يعطي النظام الفدرالي ضمانات دستوريّة واسعة للوحدات المحليّة، كون الصلاحيّات الممنوحة لها مكرّسة بالدستور الفدرالي الذي لا يمكن تعديله بسهولة، بل يحتاج إلى أكثريّة موصوفة لذلك، وهذا صعب المنال. فلا يمكن مثلًا للسلطة المركزيّة بظلّ النظام الفدرالي تعديل هذه الصلاحيّات على هواها. بالمقابل، يبقى المركز صاحب القرار في نظام اللامركزيّة الإداريّة، ويمكن له تغيير صلاحيّات المناطق كما يرتئيه. بالاضافة إلى ذلك، تنظّم القوانين اللامركزيّة الادرايّة، لا الدستور، ما يجعلها غير مستقرّة، ومعرّضة للتعديل وفق أهواء الغالبيّات النيابيّة المتقلّبة.

11. التوتّرات الطائفيّة، أو الاقتصاديّة – الاجتماعيّة، حقيقيّة في لبنان، ولكنّها لا تكفي بذاتها للتسبّب بحروبنا الأهليّة. هذه تقع بسبب تدخّل قوى الإقليم بشؤوننا الداخليّة. ولمنع هذه التدخّلات المتكرّرة، الحياد مصلحة لبنانيّة خالصة. مشروعنا عمليًّا حيادو – اتّحادي.

12. عقد مؤتمر تأسيسي ضروري للانتقال إلى النظام الحيادو – اتّحادي. ولكنّنا نرفض عقده والتفاوض على النظام الجديد تحت وطأة السلاح غير الشرعي. تاليًا، الأولويّة حاليًّا هي لاستعادة السيادة الوطنية وحصر السلاح بيد الجيش اللبناني والقوى الأمنيّة اللبنانيّة، على أن يلي ذلك عقد مؤتمر تأسيسي للنظام اللبناني. السياسة موازين قوى؛ وموازين القوى ميّالة للفريق المسلّح الذي سوف يفرض إرادته على الآخرين عنوة لو عقد المؤتمر التأسيسي اليوم. إلّا أنّ ذلك لا يمنعنا من التفكير بنظام سياسي جديد للبنان، وتفسيره لأكبر عدد ممكن من مواطنينا، وبناء قوّة سياسيّة جديدة تدعو إليه. إذًا، السيادة أوّلًا، والنظام الحيادو-اتّحادي ثانيًا.

13. ما بقي السلاح غير الشرعي مصوّبًا إلى رؤوسنا، خلافنا الأساس معه. كسياديّين فدراليّين، نحن مستعدّون للتعاون مع كلّ سيادي بغضّ النظر عن موقفه من الفدراليّة. وبخلاف ما يتوهّمه البعض، حزب الله لا يريد الفدراليّة. هو يسيطر على كلّ لبنان بحكم النظام المركزي القائم، فلماذا يسعى إلى الفدراليّة؟ لو أرادها، لطرحها ممهورة بالحياد، إلّا أنّ مشروعه نقيض الفكرتين.

مواضيع ذات صلة