أنطوان صليبا (إسم مستعار)
في عام 2013، وتحديدًا في شهر أيلول أطلقت جبهة النصرة ومجموعة من فصائل المعارضة السوريّة عمليّة أسمتها "السيوف المسلولة" على حاجز معلولا، البلدة السوريّة في جبال القلمون والّتي تعدّ من أقدم المعالم المسيحيّة في المشرق، لتدور معارك على إثر هذا الهجوم بينها وبين الجيش السوري وحلفائه من حزب الله والحزب السوري القومي.
انتهت المعارك بانسحاب فصائل المعارضة وسيطرة الجيش السوري وحلفائه على البلدة القديمة والتي نزح أغلب سكّانها على إثر المواجهات إلى مدينة دمشق ومحيطها. تستعمل هذه المعركة مؤخّرا في السجال الشيعي-المسيحي حول الفدرالية في لبنان، حيث غالبًا ما يلجأ "حزب الله" ومناصروه لتذكير المسيحيّين اللبنانيّين بأنّهم (أي حزب اللّه) حماة كنائس قاتلوا إلى جانب أبناء معلولا ودافعوا عن الوجود المسيحي في المدينة، وبالتالي خوف الشريك المسيحي اللبناني من سلاح "حزب الله" غير الشرعي هو غير مبرّر - كما يدّعي أنصار الحزب - فالسلاح (المقاوم) حليف موجّه حصرًا للتطرّف السني والعدو الإسرائيلي. ومعلولا بحسب "حزب الله" تشهد على جولة تصدّى فيها المسلّحون الشيعة الجهاديّون لمسلّحين سنّة جهاديّين وأبعدوهم عن المدينة المسيحية.
تستوجب أسطورة حماية المسيحيّين السوريّين على يد "حزب الله" تفنيدًا، لأنّها مؤذية ومسيئة وفيها الكثير من الدجل والمتاجرة بمسيحيّي سوريا، حيث يتمّ استخدامهم من قبل "حزب الله" بصفاقة لضرب مسيحيّين آخرين في لبنان، و ابتزاز القوى السياسيّة السياديّة في لحظة مقاومة التغوّل الإرهابي على الدولة اللبنانيّة.
أفضل مقاربة برأيي لتفنيد ادّعاء "حزب الله" وأنصاره هو الخروج من لحظة المعركة، والتي تمثل مواجهة محدودة على هامش الحرب السورية، إلى المشهد العام اليوم والنظر إلى وضع المسيحيّين في سوريا وأعدادهم وحالتهم الاقتصاديّة وحقوقهم السياسيّة وحضورهم الاجتماعي. فهل تحقّقت الحماية فعلًا؟
سياسيًّا، لطالما كان المواطن السوري المسيحي منقوص المواطنة ومحروم من العمل السياسي، يتعرّض لتمييز منهجي دستوريًّا وذلك في عزّ تسلّط نظام "البعث". طبعًا لم يتغيّر وضع المسيحيّين السوريّين منذ تدخل "حزب الله" إلى جانب حليفه لمواجهة المعارضة السوريّة، فالمسيحي السوري اليوم كما الأمس منقوص الحقوق.
عقّد تدخّل الحزب المدمّر للدولة والمجتمع النضال المدني لأجل تحصيل مكان أفضل دستوريًّا، وما كان ممكنًا البارحة من خلال النضال المدني المنظّم عبر بناء تحالفات اجتماعيّة وسياسيّة عابرة للإثنيات السوريّة يبدو مستحيلًا اليوم. هذه التحالفات غير ممكنة بشكل أساسي بفعل حرب الحزب على المكوّن السنّي في سوريا، حيث بتنا نحتاج كمسيحيّين سوريّين إلى جهود مضاعفة لبناء التحالفات من جديد بعد نهاية الحرب.
إقتصاديًّا، المواطن السوري المسيحي مثل أيّ سوري آخر يعيش اليوم تحت خطّ الفقر، في دولة تستعدي العالم ومعاقبة من نصف الكوكب تقريبًا ومديونة للنصف الآخر من دون أفق لتحسّن الوضع المعيشي.
ينعكس سوء الوضع الاقتصادي ديموغرافيًّا على المسيحيّين حيث انكمشت أعدادهم من مليون ونصف مسيحي في عام 2011 إلى أقلّ من 400 ألف في 2023، و"حزب الله" هو سبب أساسيّ من أسباب الحصار وفاعل رئيسي باستدامة التدهور الاقتصادي. وعليه، يمثل وجوده في سوريا عاملًا طاردًا للمسيحيّين السوريّين. ينعكس نزيف الهجرة الذي يمثل الحزب واحد من أسبابه الرئيسيّة اجتماعيًّا أيضًا فيتراجع دور المسيحيّين والذي كان لهم على مرّ التاريخ السوري دور حيوي حاضر في شتّى المجالات الفكريّة والفنيّة والعلميّة. إنّ تراجع الدور الاجتماعي المسيحي أمام ضغط الهجرة مرشّح للاستمرار وستكون استعادة مستوياته إلى ما قبل الحرب تحدّيًا كبيرًا تتطلّب مواجهته أجيالًا.
كلّ ما سبق يخلص إلى استنتاج مدى الأذى الذي سبّبه دخول "حزب الله" في المعركة السوريّة لإطالة أمدها، وهو تدخّل لم يهدف بطبيعة الحال إلى حماية المسيحيّين السوريّين من الجهاديّين السنّة كما يدّعي أنصاره، لا بل على العكس تمامًا، يبدو اليوم دخولًا بقصد تهجيرهم. وعمومًا، المسيحيّون السوريّون اليوم أقلّ عددًا واسوأ حالًا والتحدّيات أمامهم مضاعفة، لذلك على المسيحيّين في لبنان التنبّه وعدم الخضوع للابتزاز وتفنيد سرديّة الحزب دومًا بالحديث عن واقع المسيحيّين اليوم في الدول التي اجتاحتها إيران عبر ميليشياتها كالعراق وسوريا ولبنان.